للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كون الحكم الناسخ يأتي بعد الحكم المنسوخ بتراخي الزمان، لأنه لا معنى لناسخ ومنسوخ متوافقين.

- كون مصدر الناسخ والمنسوخ واحد.

- أن يكون بين الحكمين تعارض حقيقي.

بهذه المقتضيات كان النسخ ذا وظيفة فعالة في النظام التشريعي الإسلامي يتفاعل مع مصالح الفرد ويوجهه ويستحثه نحو الأفضل الأصلح باستمرار، وإذا لم يكن هذا هو السر فيه، فماذا يكون وراء نزول القرآن نفسه منجما خلال ثلاث وعشرين سنة من فائدة. ولهذا قامت الشبهة أيضا ضد هذا السر الإلهي العظيم «وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة» [الفرقان: ٣٢]. ويأتي الجواب الإلهي «كذلك، لنثبت به فؤادك».

وكذلك يجب أن يكون دستور البشرية متفاعلا مع الأحداث، ناميا مع الإنسان متدرجا به نحو الأسمى والأصلح، تثبيتا لفؤاد النبي العظيم، وللتاريخ، وللأمة التي تدين به في التاريخ.

إن النسخ لا يدل على البداء في حق الله تعالى، والبداء عبارة عن ظهور الشيء بعد خفائه، ومنه يقال: بدا لنا سور المدينة بعد خفائه ... فإن قيل: لا يخلو إما أن يكون الباري تعالى قد علم استمرار أمره بالفعل المعين أبدا، أو إلى وقت معين، وعلم أنه لا يكون مأمورا بعد ذلك الوقت: فإن كان الأول، استحال نسخه لما فيه من انقلاب علمه جهلا، وإن كان الثاني فالحكم يكون منتهيا بنفسه في ذلك الوقت، فلا يتصوربقاؤه بعده، وإلا لانقلب علم الباري جهلا، وإذا كان منتهيا بنفسه فالنسخ لا يكون مؤثرا فيه؛ لا في حالة علم الله تعالى أنه يكون الفعل مأمورا فيها، ولا في حالة علم الله أنه لا يكون مأمورا فيها؛ لما فيه من انقلاب علمه إلى الجهل وإذا لم يكن الناسخ مؤثرا فيه، فلا يتصور النسخ (١).

استدل الجمهور على جواز النسخ عقلا بدليلين (٢):

الأول: إنه لا يترتب على فرض وقوعه محال لذاته.

الثاني: وهو أن موسى وعيسى - عليهما السلام - قد بشرا بهذا الرسول الكريم النبي الأمي، وأوصيا أتباعه.

وأهل الأديان على مذاهب ثلاثة في النسخ (٣):

أولها: إنه جائز عقلا وواقع سمعا. وعليه إجماع المسلمين من قبل أن يظهر أبو مسلم الأصفهاني [المعتزلي] ومن شايعه، وعليه أيضا إجماع النصارى من قبل معاصريهم الذين خرقوا الإجماع وركبوا رءوسهم فأنكروا النسخ؛ ليصلوا من هذا الإنكار إلى بقاء ديانتهم


(١) شعبان محمد إسماعيل، النسخ في الشرائع السماوية، (القاهرة: دار السلام، ط ١، ١٩٨٨ م)، ص ١٦، ص ١٨.
(٢) نادية شريف العمري، النسخ في دراسات الأصوليين (دراسة مقارنة)، (بيروت: الرسالة، ط ١، ١٩٨٥ م)، ص ٦٢، ص ٦٣.
(٣) العدد التاسع والعشرون، مجلة البحوث الإسلامية - من ذو القعدة إلى صفر لسنة ١٤١٠ هـ ١٤١١ هـ، النسخ في القرآن الكريم، الفصل الرابع، الآراء في حكم النسخ ومناقشتها.

<<  <   >  >>