الجزء الأول: في النسخ
عندما قال الشيخ رحمة الله: هذا بعيدٌ من إنصافِكم أن القول الذي تسمعونه من أحدٍ من المسلمين تنسِبونَه إلى القرآن والتفاسير، وبالجملة، لا شك أنه (أي: ادِّعاء كون الزبور ناسخاً للتوراة ومنسوخاً من الإنجيل) غلط. قال القسيس: نعم!
[- فهذا إقرار بالخطأ؛ أنه نقل شيئا في كتابه دون علم وتحر].
ولما قال القسيس: لا يمكن نسخ الإنجيل قطعا؛ لأن قول المسيح في الآية العدد ٣٣ من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا Luc هكذا: (السماءُ والأرضُ تزولان وكلامي لا يزولُ).
قال الحكيم محمد وزير خان: هذا القول ليس بعام، بل خاصٌ بالخبر عن الحادثة التي أخبر عنها المسيح عليه السلام قبل تلك الآية، ومعناه: لو زالتِ السماءُ والأرضُ بالفَرَض، لكن كلامي هذا لا يزولُ عن الحادثةِ التي أخبرتُ به عنها. قال القسيس: إنّ هذا القول ليس بخاص بل عام.
[-إن تعميم الخاص أو تخصيص العام يحتاج إلى دليل].
قال القسيس: نعم! التوراةُ منسوخٌ، لكن كلامنا ليس في التوراة.
[-اعترف القس النبيل بنسخ التوراة في هذا الموضع].
قال الحكيمُ: لِمَ لا يكونُ كلامكم في التوراة وعندنا التوراةُ والإنجيلُ مستويان؟ ! وقد صرَّحتم في عنوان الفصل الثاني من الباب الأول من كتاب "ميزان الحق": إنَّ الإنجيل وكُتُبَ العهد العتيق لم تُنْسخ في وقتٍ من الأوقات!
[- أظهر الحكيم أن قوله في كتابه يناقض ما أدلى به منذ قليل من الاعتراف بنسخ التوراة].
فتحيِّرَ القسيسُ وقال: أفتى بعض العلماء بِحِلِّيةِ هذه الأشياء نظراً إلى تلك الآيات.
[-يعترف ببعض العلماء، ولكن سيأتي استنكاره للعلماء الذين يوردهم الفاضل بعد ذلك].
قال الفاضل الشيخ رحمة الله: إن قولَ المسيح في حق الحواريين في الباب العاشر من إنجيل متى هكذا: (إلى طريقِ أُمَمٍ لا تمضوا، وإلى مدينةٍ للسَّامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحَرِيِّ إلى خِراف بيت إسرائيل الضَّالَّة)، وفي الباب الخامس عشر من إنجيل متى وقع قوله في حق نفسه هكذا: (لم أُرسَل إلاَّ إلى خِراف بيت إسرائيل الضالة)؛ فأقر بخصوص نبوته إلى بني إسرائيل، ووقع قوله في خطابهم في الآية الخامسة عشر من الباب السادس عشر من إنجيل مرقس Mac هكذا: (اذهَبُوا إلى العالم أجْمَع، وأكرزوا بالإنجيل للخليقَة)؛ فالقولُ الثاني ناسخٌ للأول. قال القسيس: إن المسيحَ نفسَه نَسَخَ الحكم الأول.