للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا إِنِ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ - وَهُوَ مَنِ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ - لَا الْمُنْفَرِدُ؛ وَهُوَ: مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ. وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إِلَى قَصَّارٍ لِيَقْصُرَهُ، أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً .. فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ .. فَلَهُ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ

===

(وكذا إن انفرد) باليد (في أظهر الأقوال) سواء المشترك والمنفرد؛ لأنه لم تثبت يده لمحض غرضه، وإنما أثبتها لغرضه وغرض المالك؛ فأشبه عامل القراض والمستأجر، فإنهما لا يضمنان؛ إجماعًا، والثاني: يضمن؛ لحديث: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ" (١)، ولأنه أخذه لمصلحة نفسه؛ كالمستعير والمستام.

(والثالث: يضمن المشترك، وهو: من التزم عملًا في ذمته) كعادة الخيَّاطين والقصَّارين، (لا المنفردُ؛ وهو: من أجر نفسه مدة معينة لعمل) لأن المنفرد منافعه مختصة بالمستأجر في المدة، فيده كيد الوكيل مع المُوكِّل، ولأن استحقاقه الأجرةَ لا يتوقف على العمل، بل على التمكن منه، فلم يكن العمل واقعًا له، بخلاف المشترك؛ فإنه لا يستحق إلا بالعمل.

(ولو دفع ثوبًا إلى قَصَّار ليَقصُره، أو) إلى (خَيَّاط ليخيطه ففعل ولم يذكر أجرةً .. فلا أجرة له) لأنه لم يلتزم له عوضًا؛ فصار كقوله: (أطعمني)، فأطعمه، (وقيل: له) أجرة المثل؛ لاستهلاكه منفعته، (وقيل: إن كان معروفًا بذلك العمل) بالأجرة ( .. فله، وإلا .. فلا) لدلالة العرف على ذلك. (وقد يُستحسن) لموافقة العادة، وحكاه الروياني في "الحلية" عن الأكثرين، وقال: إنه الاختيار، وقال في "البحر": وبه أُفتي (٢)، وقال الغزالي: إنه الأظهر، وقال الشيخ عز الدين: إنه الأصحُّ، وأفتى به خلق من المتأخرين، وعلى هذا: فيجب للعامل أجرةُ المثل؛ كما هو ظاهر كلام الرافعي وغيره (٣)، وقال الشيخ عز الدين: تجب له الأجرةُ


(١) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٧)، وأبو داوود (٣٥٦١)، والترمذي (١٢٦٦) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(٢) بحر المذهب (٨/ ٣١٣).
(٣) الشرح الكبير (٦/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>