للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وُيُحْكَمُ عَلَيْهِ: مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إِلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا، وَقِيلَ: مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ كَحَاضِرٍ .. فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةٌ وَيُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إِلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّزِهِ، وَالأَظْهَرُ: جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهُ فِي حَدِّ اللهِ تَعَالَى. وَلَوْ سَمِعَ: بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ .. لَمْ يَسْتَعِدْهَا،

===

(فصل: الغائب الذي تسمع البينة ويحكم عليه: من بمسافة بعيدة) لأن القريب يسهل إحضاره، (وهي) أي: المسافة البعيدة (التي لا يرجع منها مبكرٌ إلى موضعه ليلًا) (١) لما في إيجاب الحضور عليه من المشقة الحاصلة بمفارقة الأهل والوطن في الليل، فإن كان يرجع .. فقريبة، (وقيل: مسافة قصر) اعتبارًا بالعادة، فإن كان دون ذلك .. لم يحكم إلا بحضوره.

(ومن بقريبة؛ كحاضر .. فلا تسمعُ بينة ويحكمُ بغير حضوره) (٢)، بل يحضره ليأتي بمطعن إن أمكنه، بخلاف البعيد؛ فإن انتظاره يطول, (إلا لتواريه أو تعززه) فإنها تسمع ويحكم عليه؛ لتعذر الوصول إليه كالغائب، وإلا .. لاتخذ الناس ذلك ذريعة إلى إبطال الحقوق.

(والأظهر: جواز القضاء على غائب في قصاص وحد قذف) لأنه حق آدمي، فأشبه المال، (ومنعه في حد الله تعالى) كالزنا؛ لأنه مبني على الدرء والمسامحة؛ لاستغنائه، بخلاف حق الآدمي؛ فإنه مبني على الضيق؛ لاحتياجه، والثاني: الجواز مطلقًا؛ كالأموال، فيكتب إلى قاضي بلد المشهود عليه لياخذ بالعقوبة، والثالث: المنع مطلقًا؛ لحظر الدماء، والحد يُسعى في دفعه، ولا يُوسَّع بابه، وحقوقُ الله تعالى الماليةُ كحقوق الآدميين على المذهب.

(ولو سمع بينة على غائب فقدم قبل الحكم .. لم يستعدها) أي: لا يجب أن


(١) في (أ) و (و): (التي لا يرجع منها مبكرًا).
(٢) في (ز): (ولا يحكم بغير حضوره).

<<  <  ج: ص:  >  >>