الحمد لله الذي لا بداية له ولا نهاية، بل هو {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
وأشكره وهو الذي أنار قلوب عباده العلماء بنور المعرفة والعلم، ورزقهم العمل به والخشية منه سبحانه وتعالى على أكمل وجه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ورفع شأنهم بالعلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، فجدوا واجتهدوا طمعًا في المزيد {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
والصلاة والسلام على أفضل خلق الله، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد القائل:"من يرد الله به خيرًا .. يفقهه في الدين"(١)، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فلا شك أن العناية بالمخطوطات الإسلامية، والعملَ على تحقيقها تحقيقًا علميًّا مسؤولية كلّ من كان أهلًا لذلك، ويعتبر من الأمور التي ينبغي صرف الهمم إليها.
فهو تراث قديم، وكنز ثمين، بذل فيه سلف هذه الأمة جهدهم، وسهروا ليالي في تأليفها وتصنيفها، ثم ارتحلوا ملقين هذه الأمانة في أعناق الخلف، محسنين الظن بهم أنهم لن يهملوها، بل سيعتنون بها، ويستفيدون منها، ثم يورثونها من خلفهم.
ولم يتوفر هذا الكنز لأي أمة من الأمم، فامتلأت الخزانات العامة والخاصة بملايين الكتب، فبقيت تنتظر أصحاب الهمم العالية، ومن يغار على تاريخ وتراث هذه الأمة.
(ب)
وانطلاقًا من ذلك كان من الواجب علينا تجاه هذه الثروة الكبيرة الغنية بنفائس المخطوطات .. إخراجُها إلى عالم المطبوعات، وتقديمها إلى أهل العلم، بعد
(١) أخرجه البخاري (٧١)، ومسلم (١٠٣٧) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.