وتشمل هذه المخطوطات علومًا متعددة في مختلف الفنون، وإن من أهم وأشرف هذه العلوم منزلة، وأعظمها شأنًا، وأكملها فائدة: الفقه في الدين؛ لأنه به ينتظم الأمر ويعرف الحق، ونتبين به الحلال والحرام وصحيح المعاملات من فاسدها، وهو الطريق الموصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية، وهو من أعظم وأجل نعم الله تعالى على عباده.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى:(أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه .. علم أنه أفضل العلوم، فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه على الخلائق أبدًا، وإن كان في زمن أحدهم من هو أعلم منه بالقرآن أو بالحديث أو باللغة)(١).
فلما أدرك سلفنا الصالح ما لعلم الفقه من هذا الفضل والشرف .. أفنوا أعمارهم في الاشتغال به تعلمًا وتعليمًا وتصنيفًا.
(ج)
وكان من هؤلاء الأعلام: الإمام العلامة بدر الدين ابن قاضي شُهْبة الأسدي، الذي صار بأخرة فقيه الشام بلا مدافع، وعليه مدار الفتوى، فأراد أن يكون له نصيب في خدمة الفقه الإسلامي، فشرح متنًا من متون الفقه الشافعي وهو "المنهاج" شرحين عظيمين: أحدهما: "إرشاد المحتاج إلى توجيه المنهاج" وهو أكبرهما حجمًا، والثاني:"بداية المحتاج في شرح المنهاج" وهو كتابنا هذا.
فـ "بداية المحتاج" شرح متميز من بين شروح "المنهاج"، أجاد فيه مؤلفه وأفاد، وحقق مسائله ودقق، مع حسن السبك، وجودة الإفصاح، ووضوح العبارة.