للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"التنبيه" في نحو أربعة أشهر ونصف، وحفظت ربع العبادات من "المهذب" في باقي السنة) (١).

وينقل الإمام ابن العطار رحمه الله تعالى عن الإمام النووي رضي الله عنه خبرًا يدل على عظيم عناية الله سبحانه به فيقول: (قال - أي: الإمام النووي -: وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت كتاب "القانون" فيه، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم عليَّ قلبي، وبقيت أيامًا لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري، ومن أين دخل عليَّ الداخل؛ ! فألهمني الله تعالى أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت في الحال الكتاب، وأخرجت من بيتي كلَّ ما يتعلق بعلم الطب، فاستنار قلبي، ورجع إليَّ حالي، وعدت إلى ما كنت عليه أولًا (٢).

ويذكر غير واحد من مترجميه أنه رضي الله عنه كان مضرب المثل في إكبابه على طلب العلم ليلًا ونهارًا، وهجره النومَ إلا عن غلبةٍ، وضبط أوقاته بلزوم الدرس أو الكتابة، أو المطالعة، أو التردد إلى الشيوخ (٣).

وهذا تلميذه العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى يحدثنا عن الإمام النووي رضي الله عنه فيقول: (قال: فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي، وكانت وقفة الجمعة، وكان رحيلنا من أول رجب، قال: فأقمت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوًا من شهر ونصف.

قال لي والده رحمه الله: لمَّا توجهنا من "نوى" للرحيل .. أخذته الحمى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة، قال: ولم يتأوَّه قط، فلما قضينا مناسكنا، ووصلنا إلى "نوى"، ونزل إلى دمشق .. صبَّ الله عليه العلم صبًّا.

ولم يزل يشتغل بالعلم، ويقتفي آثار شيخه المذكور - أي: الكمال المغربي - في العبادة؛ من الصلاة وصيام الدهر، والزهد والورع، وعدم إضاعة شيء من أوقاته إلى أن تُوفِّي رحمه الله تعالى ورضي عنه، فلما توفي شيخه .. ازداد اشتغاله بالعلم والعمل) (٤).


(١) تحفة الطالبين (ص ٤).
(٢) تحفة الطالبين (ص ٥).
(٣) حياة الإمام النووي (ص ٨).
(٤) تحفة الطالبين (ص ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>