للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا خَفِيٍّ، وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا،

===

نقضه، ولا شك في نقض ما صدر من مقلِّد غير متبحِّر، بخلاف المعتمد عند أهل المذهب، وفي نقض ما صدر ممن لا يصلح للقضاء وإن وافق المعتمد.

قال ابن الرفعة: والمعنى بنقض الحكم - كما قاله الإمام -: التبيُّن، وإلا .. فليس القضاء أمر يعقد ويحل، وتابعه الشيخ عز الدين فقال: قولهم: (ينقض) فيه مسامحة، وإنما الحقيقة أن هذا الحكم لم يصح من أصله.

(لا خفيّ) وهو ما لا يزيل احتمال المفارقة ولا يبعد؛ كقياس الشبه، وهو أن تشبه الحادثة أصلين فيلتحق بأشبههما، فإذا بان له الخطأ بقياس خفي لكنه أرجح مما حكم به .. عمل به فيما يستقبل، ولا ينقض ما حكم به أولًا؛ لأن الظنون المتعادلة لو نقض بعضها بعضًا .. لما استمر حكم، ولشق الأمر على الناس، ومشهور عن عمر - رضي الله عنه -: أنه حكم بحرمان الأخ من الأبوين في المشركة، ثم شرك بعد ذلك ولم ينقض قضاءه الأول، وقال: (ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي) (١).

(والقضاء ينفذ ظاهرًا لا باطنًا) قضاء القاضي قسمان: أحدهما: ما ليس بإنشاء، وإنما هو تنفيذ لما قامت به الحجة، وهذا مراد المصنف، فينفذ ظاهرًا لا باطنًا، حتى لو حكم بشهادة الزور .. لم يُفِد حكمُه الحلّ باطنًا، سواء فيه المال والنكاح وغيرهما؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ فِي حَقِّ أَخِيهِ بِشَيءٍ .. فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَة مِنَ النّارِ" متفق عليه (٢).

الثاني: الإنشاء؛ كالتفريق بين المتلاعنين، وفسخ النكاح بالعيب، والتسليط على الأخذ بالشفعة، فإن ترتب على أصل كاذب؛ كشهادة زور .. فكالأول، أو صادق؛ فإن لم يكن في محل اختلاف المجتهدين .. نفذ باطنًا، وإن كان مختلفًا فيه؛ كالحكم بشفعة الجوار، وتوريث ذوي الأرحام .. نفذ ظاهرًا، وفي الباطن: أوجه: ثالثها: إن اعتقد الخصم حلّه .. نفذ، وإلا .. فلا، ولم يصرحا هنا بترجيح، وفي


(١) أخرجه الدارقطني (٤/ ٨٨)، والبيهقي (٦/ ٢٥٥).
(٢) صحيح البخاري (٦٩٦٧)، صحيح مسلم (١٧١٣) عن أم سلمة - رضي الله عنها -, وفي (ز): ("فمن قضيت له من حق أخيه").

<<  <  ج: ص:  >  >>