للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالأَصَحُّ: لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ، وَلَا قَلِيلٍ انْتَشَرَ بعَرَقٍ، وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ

===

واحترز بـ (المتيقن نجاسته): عن غير المتيقن نجاسته.

ثم تارة يغلب ظنّ نجاسته، ففيه قولان: أصحهما: الطهارة؛ تغليبًا للأصل على الظاهر، وتارةً لا يغلب ظنّ نجاسته، فهو طاهرٌ قطعًا.

(وعن قليلِ دمِ البراغيثِ) والقمل، (ووَنِيمِ الذُّباب) أي: ذرقه وغيرِ ذلك مما لا نفس له سائلةٌ؛ كما قاله في "شرح المهذب" لأنه مما تَعُمُّ به البَلوى، ويَشُقُّ الاحتراز عنه (١).

(والأصح: لا يعفى عن كثيره) لندرته، وسهولة الاحتراز عنه، (ولا) عن (قليلٍ انتشر بعرق) لمجاوزته محلَّه، ولأن البلوى به لا تَعُمُّ، والثاني: يعفى عنهما؛ لأن الغالب في هذا الجنس عُسْرُ الاحتراز، فيُلحَق غيرُ الغالب منه بالغالب.

(وتُعرف الكثرة بالعادة) فما يقع التلطخ به غالبًا ويعسر الاحتراز عنه .. قليلٌ، وإن زاد .. فكثير، ويختلف الحالُ بين الأماكن والأوقات، ويُرجَع في هذا كلِّه إلى رأي المصلي، وقيل: إن الكثير ما يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان نظر، والقليلَ دونه.

قال الإمام: والذي أقطعُ به: أنه لا بدّ أيضًا من اعتبار عادة الناس في غَسل الثياب، فإنّ من لا يَغسل ثوبَه الذي يصلِّي فيه عمّا يُصيبه من لَطْخٍ سنةً مثلًا .. يتفاحش مواقعُ النجاسة من هذه الجهات (٢)، قال الأَذْرَعي: وهو حق، ويجب الجزم به وإن عفونا عن الكثير في العادة؛ لأن الكثير هنا قد تَفاحش. انتهى. ولو كانت النجاسة متفرقةً ولو جُمعتْ لبلغت قدرًا لا يُعفى عنه .. ففيه احتمالان للإمام، وميله إلى العفو (٣)، وكلام "التتمة" يقتضي الجزمَ بخلافه.

(قلت: الأصح عند المحققين: العفو مطلقًا، والله أعلم) أي: قلّ أم كثر،


(١) المجموع (٣/ ١٤٠).
(٢) نهاية المطلب (٢/ ٢٩٣).
(٣) نهاية المطلب (٢/ ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>