قال: وكنت حملت كلام الشيخ على ظاهره، ثم تبين لي أنه إنما عنى السفر الحقيقي، ولما انتهى من حكاية ذلك .. قال لي: قم حتى نودع أصحابنا وأحبابنا.
قال: فخرجت معه إلى المقبرة التي بها بعض شيوخه، فزار وقرأ شيئًا، ودعا وبكى، ثم زار أصحابه الأحياء؛ كالشيخ يوسف الفقاعي (ت ٦٧٩ هـ)، والشيخ محمد الأخميمي (ت ٦٨٤ هـ)، والشيخ شمس الدين ابن أبي عمر (ت ٦٨٢ هـ).
وسافر صبيحة ذلك اليوم إلى نوى، ثم زار القدس والخليل عليه السلام، ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته بها وهو في بيت والده.
فبلغني مرضه، فتوجهت من دمشق لعيادته، فسُرَّ بذلك، ثم أمرني بالرجوع إلى أهلي، فودعته بعد أن أشرف على العافية في يوم السبت العشرين من رجب، وانصرفت.
فتوفي بعد أيام (١).
وقد كانت وفاته في الثلث الأخير من الليل، ليلة الأربعاء في الرابع والعشرين من شهر رجب، سنة ست وسبعين وست مئة، ودفن في مسقط رأسه نوى.
رضي الله عنه ورحمه رحمة المقربين الأبرار، وحشرنا وإياه في زمرة المصطفَيْن الأخيار.
ويحسُن القول أخيرًا: إنه بعد وفاة الإمام رضي الله عنه أراد أهله وجيرانه - في نوى أن يبنوا على ضريحه قبة، واستقر رأيهم على ذلك، فرأته إحدى قريباته - ويُظن أنها عمته - في المنام وهو يقول لها: قولي لهم لا يفعلوا هذا الذي عزموا عليه من البنيان؛ فإنهم كلما بنوا أشياء .. تهدمت، فاستيقظت منزعجة وأخبرتهم، فامتنعوا عن البنيان، وحوطوا على قبره بحجارة تمنع الدواب وغيرها.
ذكر ذلك العلامة ابن العطار رحمه الله تعالى في "تحفة الطالبين"(ص ٤٧)، وأضاف قائلًا: (وقال لي جماعة من أقاربه وأصحابه بـ "نوى": إنهم سألوه يومًا ألَّا ينساهم في عرصات القيامة، فقال لهم: إن كان ثَمَّ جاهٌ .. والله لا دخلتُ الجنة