ولهذا قال الشافعي - رضي الله عنه -: لا أعرف في الدنيا شيئًا باطلًا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، ولا أعلم القمار إلا هذا، أو أقلّ منه (١)، وأما الثالث: فلأنها شركة من غير مال، وما اشتراه كلُّ واحد منهما .. فهو ملكه، له ربحه وعليه غرمه.
وسميت شركةُ المفاوضة بذلك من قولهم:(تفاوضا في الحديث) إذا شرعا فيه جميعًا.
(وشركة العنان) بكسر العين (صحيحة) بالإجماع، مأخوذة من عنان الدابة، أو من عَنَّ الشيء: إذا ظهر؛ لأن جوازها ظاهر.
(ويشترط فيها) من الناطق (لفظ يدلُّ على الإذن في التصرف) من واحد للآخر في نصيب نفسه؛ لأن المال المشترك لا يجوز لأحد الشريكين التصرف فيه إلا بإذن صاحبه، ولا يعرف الإذن إلا بصيغة تدلُّ عليه، وإشارة الأخرس المفهمة كاللفظ من الناطق على المذهب.
(فلو اقتصرا على:"اشتركنا" .. لم يكف في الأصحِّ) لاحتمال كونه إخبارًا عن حصول الشركة في المال، ولا يلزم من حصول الشركة جوازُ التصرف، بدليل الموروث، والثاني: يكفي؛ لفهم المقصود عرفًا.
(وفيهما) أي: ويشترط في الشريكين (أهلية التوكيل والتوكل) على ما سيأتي؛ لأن كلَّ واحد منهما وكيلٌ عن صاحبه في شيء وموكِّلُه في شيءآخر، هذا إذا أذن كلُّ واحد منهما للآخر في التصرف، فإن كان المتصرف أحدهما فقط .. اشترط فيه أهليةُ التوكل، وفي الآذن .. أهلية التوكيل، حتى يصحَّ أن يكون الثاني أعمى دون الأول، قاله في "المطلب".
وقضية إطلاق المصنف: أنه يجوز للولي عقد الشركة على مال محجوره، قال في "المطلب": وهو قضية كلامهم، وقد يقال: بمنعها؛ لاستلزامها خلطَ ماله قبل العقد بلا مصلحة، بل قد يؤثر نقصًا.