للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يكن المفهوم من وجهه ويديه كالمفهوم من وجوهنا وأيدينا. وإنما قال المسلمون إن المفهوم من صفات الله في هذا وهذا لا يماثل المفهوم منها في صفاتنا، بل كل صفة تناسب الموصوف وتليق به، فلما كانت ذات الخالق لا تماثل ذوات المخلوقين، فكذلك صفاته لا تماثل صفات المخلوقين. وقد سبق أن القول في الصفات كالقول في الذات" (١).

وقال أيضا: " الصفات الخبرية: وهي التي نعتمد فيها على مجرد الخبر، وليست من المعاني المعقولة، بل هي من الأمور المدركة بالسمع المجرد فقط، ونظيرها أو نظير مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء، مثل اليد، والوجه، والعين، والقدم، والإصبع، فهذه نسميها الصفات الخبرية، لأنها ليست معنى من المعاني، فاليد غير القوة، القوة معنى، واليد صفة من نوع آخر. مسماها بالنسبة إلينا أبعاض وأجزاء، فاليد بعضٌ منْ أو جزءٌ منا، والوجه كذلك والعين كذلك.

ولكن بالنسبة لله لا نقول أنها جزء أو بعض؛ لأن البعضية والجزئية لم ترد بالنسبة إلى الله لا نفيا ولا إثباتا، ولهذا نقول لمن قال: إن الله واحد لا يتجزأ ولا ينقسم وما أشبه ذلك، نقول: هذه ألفاظ بدعية. فليس هناك دليل على أن تصف الله بهذا النفي، وما أنت أعلم بالله من الله، ولا أعلم بالله من رسول الله ولا أعلم بالله من أصحاب رسول الله ، فما قال واحد منهم قط: إنه لا يتبعض ولا يتجزأ، فاحبس لسانك عما حبسوا ألسنتهم عنه … ، وإنما ينفى مثل هذا الكلام لو أن أحداً قاله، أما ولم يقله أحد فليس له داع، بل يقال: لله يد، وله وجه، وله عين، … قال تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٣٦]، وقال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢)[الإخلاص: ١ - ٢]

وما لم يرد فالأدب مع الله ورسوله أن نمسك عنه، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)[الحجرات: ١]، فلو نفيت ما لم ينفه الله عن نفسه فقد تقدمت بين يدي الله


(١) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: ٤/ ١٥٩.

<<  <   >  >>