للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: وسطية أهل السنة والجماعة]

الغلو مما ابتليت به هذه الأمة، وهو واقع فيها، كما هو واقع في الأمم قبلها، وقد بين ذلك النبي بقوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» (١).

فاليهود والنصارى قد غلوا، وقد نهاهم الله -جل وعلا- عن ذلك، لكنهم لم يتركوا غلوهم، كما قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)[التوبة: ٣٠]، وقال الله جل وعلا: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء: ١٧١].

فأهل الكتاب أهل غلو، وحذا بعض من هذه الأمة حذوهم، فغلوا في الأشخاص والمعظمين، وغلوا في الأماكن والقبور، وغير ذلك، حتى صار الغلو سمة لهم. وقد حذر النبي منه، فقال: «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (٢). فكل من غلا وزاد فيما جاء به الشرع فإنه قد وقع فيما نهى عنه النبي .

وتمتاز عقيدة أهل السنة والجماعة بميزاتٍ جليلة وخصائص عظيمة تُظهر حسنها، وتُبرز كمالها وجمالها، ومن جملة هذه الخصائص كونها وسطًا بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والزيادة والنقصان، وأهلها أهل وسطيَّة واعتدال، فهم الوسط في فرق الأمة، كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم؛ قال الله : ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣].

فأهل السنة والجماعة، وسط بين الأمم، ووسط بين الفرق الغالية، ووسط بين المفرِّطين


(١) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي : «لتتبعن سنن من كان قبلكم»، برقم: ٧٣٢٠.
(٢) سبق تخريجه: ٤٢١.

<<  <   >  >>