للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: عقيدة أهل السنة والجماعة في التكفير والقتال]

حذر النبي من التكفير دون برهان، لما يترتب على هذا القول من خطورة عظيمة على قائلها فقال : «أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه» (١).

وقال : «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر؛ إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك» (٢).

فمن كفّر من لا يستحق التكفير أو فسّقه رجع تكفيره وتفسيقه عليه، وفي هذا من التحذير ما يردُ المؤمن العاقل على التجرؤ على هذا الفعل، قال ابن عبد البر : " فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم، واحتمله بقوله ذلك، وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحد من أهل القبلة: يا كافر" (٣).

وقال الشوكاني : " اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن «من قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما» (٤) … ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير" (٥).

وهذ الأمر وقع فيه خلق كثير من المتكلمين وبعض المنسوبين للسنة والحديث مما يوجب الحذر منه التسرع فيه، قال ابن دقيق العيد (٦) : "وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من


(١) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، برقم: ٦٠.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: ما ينهى من السباب واللعن، برقم: ٦٠٤٥.
(٣) التمهيد: ١٧/ ٢٢. وانظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: ٤/ ٧٦.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) السيل الجرار: ٤/ ٥٧٨.
(٦) محمد بن علي بن وهب القشيري المنفلوطي، أبو الفتح المعروف بابن دقيق العيد، صاحب التصانيف، ومنها: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ولي القضاء بمصر، ت سنة ٧٠٢ هـ. انظر: تذكرة الحفاظ: ٤/ ١٤٨١، والدرر الكامنة: ٤/ ٢١٠، وشذرات الذهب: ٦/ ٥.

<<  <   >  >>