[المطلب الثالث: دعوى عدم صحة إطلاق توحيد الألوهية بمعنى العبادة]
من الدعاوى المعاصرة التي أثيرت ضد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ﵀ دعوى أنه لا يصح إطلاق توحيد الألوهية بمعنى العبادة وأنه لحن، وأن الذي يصح هو إطلاق الإلهية، أي أن الله متصف بالصفات التي لأجلها استحق العبادة من الخلق والقدرة.
يقول محمد بن صالح الغرسي في التفريق بين الألوهية والإلهية وما ينبني على ذلك:" كلمة الألوهية بمعنى العبادة، ويقال فيها: أُلوُهَة وإلهة، وقال أهل اللغة: التأله هو التعبد والتنسك، والتأله هو التعبيد، وقالوا: إله على وزن فِعال هو بمعنى مفعول، أي: مألوه بمعنى معبود، سواء كان معبوداً بحق أم بباطل، فالإله هو المعبود (انظر: لسان العرب والقاموس المحيط).
فظهر من هذا أن الألوهية بمعنى العبادة، وليس بمعنى الكون إلهاً، وأن إطلاقه على هذا المعنى في كلام كثير من العلماء لحن، وإنما الذي يصح إطلاقه على هذا المعنى هو كلمة "الإلهية" مصدر جعلي (١) من كلمة الإله، وهو الذي استعمله المحققون من العلماء، فمعنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله، بمعنى لا متصف بالصفات التي لأجلها استحق أن يكون معبوداً إلا الله، وهذه الصفات هي المسماة بخواص الإلهية، وهي خلق العالم وتدبيره وتربيته أي تبليغه إلى الكمال شيئاً فشيئاً، والغنى المطلق عن غيره، وافتقار ما سواه إليه وتفرده بحق التشريع، ويتفرع عن هذه الصفات وينبني عليها استحقاق العبادة.
فظهر من هذا أن توحيد الإلهية أي إفراد الله تعالى بالعبادة متفرع عن توحيد الربوبية ومنبني عليه وملازم له، فالناس إنما يعبدون من يعتقدون فيه الربوبية سواء اعتقدوا فيه ربوبية كبيرة مطلقة، وهذا ما أثبته المتألهون لله تعالى، أم اعتقدوا فيه ربوبية محدودة صغيرة مستمدة من
(١) لم أجد المصدر الجعلي، ولعله المصدر الصناعي -وهو قياسي- ويطلق على: كل لفظ "جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم" زيد في آخره حرفان، هما: ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة؛ ليصير بعد زيادة الحرفين اسمًا دالًا على معنى مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. وهذا المعنى المجرد الجديد هو مجموعة الصفات الخاصة بذلك اللفظ. النحو الوافي: ٣/ ١٨٦.