[المطلب الرابع: دعوى غلو دعوة الإمام في رؤيتها الفقهية وإلزام الناس بها]
من الدعاوى المعاصرة التي أثيرت ضد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ﵀ دعوى الغلو في رؤيتها الفقهية وإلزام الناس بها.
يقول محمد زاهد جول: " ما يميز دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب هو الطريقة التي يقدمها للأمة في عصره، وهذا ما يميز الدعوات السلفية عبر التاريخ الإسلامي والحاضر باختلاف الأزمان والأمكنة والظروف والمعالجات، وهو فيما ذكر عنه أنه لا يقدم دليلاً على ما ينقله من أقوال عن علماء المسلمين الذي يخالفهم، فلم يذكر ما يثبت فيه أن أحداً من علماء المسلمين وهو يدعو إلى اتباع المجتهدين أو الفقهاء كان ينهى عن اتباع الكتاب والسنة، فلم يثبت ذلك عن أحد من فقهاء المذاهب أنه فعل ذلك، بل ما ثبت نقله أن كل واحد منهم كان يقول: إذا ثبت ما يخالف رأيه من الكتاب والسنة، فليضرب برأيه عرض الحائط.
ولكن وعندما وصلت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى المرحلة الإصلاحية - أي إلى مرحلة محاربة البدع عند المسلمين- استعمل أدوات المرحلة الدفاعية أولاً، ثم استعمل أدوات المرحلة الجهادية، أي أنه استخدم القوة المادية ضد المخالفين له في الاجتهادات العلمية والرؤى والأفكار؛ وإدخاله لأدوات المرحلة الجهادية في دعوته جعله يعامل المسلمين المخالفين له كما لو كانوا من غير المسلمين، وهو ما لم يصل إليه أحمد بن حنبل من قبل، فمهما بلغت خلافات المسلمين الفكرية والعملية فيما بينهم فلا حجة ولا حاجة إلى أن تصل مجاهدتهم بالقوة المادية كما لو كانوا من غير المسلمين، بأن تستحل دماؤهم وأموالهم، ولا أن تنتهك حرماتهم، ولذلك فإن من الغرابة أن كل من مجدوا الحركة الجهادية في الدعوة الوهابية السلفية لم يذكروا الجهة التي وجهت إليها التعبئة الجهادية الوهابية.
ولذا فإن المعترضين على الحركة الوهابية لا يعترضون على منهجيتها العلمية التأصيلية، ولا يعترضون على منهجيتها الإصلاحية، طالما كانت المنهجية العلمية والتأصيلية والإصلاحية تدعو إلى الكتاب والسنة ولو بفهم السلف وآثارهم، وإنما الاعتراض على هذه المنهجية التي تنظر إلى الاجتهادات الفقهية والفكرية الإسلامية الأخرى على أنها آراء مخالفة للقرآن والحديث،