للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: دعوى التشدد في الولاء والبراء مع المخالفين]

من الدعاوى المعاصرة التي أثيرت ضد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوى التشدد في الولاء والبراء مع أهل البدع والمخالفين لها في الرأي، وأن دعوة الإمام دعوة إقصائية، وأحادية الرأي، وتسفه الآخر المختلف معها.

يقول محمد المحمود: "السلفية التقليدية -بطبعها- أحادية الرأي، تسفه الآخر المختلف، وتبدعه وتضلله و-أحياناً- تكفره. فهي تقوم على تصور امتلاك الحقيقة المطلقة، وأنها -وحدها- الفرقة الناجية من بين ثلاث وسبعين فرقة هالكة. أي أنها في الأصل مشروع تمايز وتفاصل عن الآخرين، عن كل الآخرين. وبهذا، فهي مهما أظهرت من مرونة، ومهما أبدت من تسامح، فهي تنطوي على جذر إرهابي، جذر إقصائي، ينفي الآخر عن دائرة الحق والخير والصلاح. فأنساقُها الكامنة أنساقٌ حادة، ولديها القابلية الفائقة لصناعة الإرهاب، أو -على الأقل- القابلية لتدعيم سيكولوجيته - أي نفسيته- بالمواقف المبدئية للمنغمسين في مستنقعاتها.

يمكن استنطاق هذه الأنساق الإقصائية الكامنة من مجمل خطاباتها، إذ دائماً ما نجدها يسيطر عليها وَهَم (١) واحد، وَهَم ينتظمها جميعاً، إنه وَهَم التطابق الكامل مع الحق الكامل. ولا شك أن هذا هو الوهم الذي بموجبه تمارس السلفية نفي الآخر، وعلى وجه الخصوص، نفي الآخر المختلف من داخل المنظومة الإسلامية ذاتها. إن السلفية لا تعد هذا المسلم الآخر مسلماً، أو هي تعده مسلماً ناقص الإسلام. إنه -في تصورها- مسلم غير جدير بالولاء الديني، بل هو جديرب بالعداء والكراهية، وفي معاييرها، تلك المعايير المجترحة في ظل أدبيات الإقصاء الرائجة في خطابها: التفسيق والتبديع والتضليل والتكفير. إنها المعايير التمايزية الاحترابية الأحادية الرؤية، التي استهلكت معظم نشاطاتها، وأهدرت أفضل طاقاتها" (٢).


(١) الوَهْمُ: من خطرات القلب، أو مرجوح طرفي المتردد فيه. ووَهِمَ في الحساب، كوَجِلَ: غَلِطَ، ووَهَمَ في الشيء، كَوَعَدَ: ذهب وَهْمُه إليه. انظر: القاموس المحيط: ١١٦٨، والصحاح: ٥/ ٢٠٥٤.
(٢) نحن والإرهاب: ٦٥.

<<  <   >  >>