للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم " (١).

وفي حديث آخر يشبه النبي تكفير المسلم بأعظم ذنب بعد الشرك بالله، وهو تعمد قتل المؤمن، فيقول: «ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله» (٢).

ورمي المسلمين بالكفر باب لشرور عظيمة، لعل أهونها أنه من التنابز بالألقاب الذي نهى الله عنه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١].

قال ابن عبد البر : "هو قول الرجل لأخيه: يا كافر يا فاسق، وهذا موافق لهذا الحديث، فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره إلا ببيان لا إشكال فيه" (٣).

والتكفير استباحة لما حرمه الله من عرض المسلم، الذي أكد النبي على حرمته في خطبته العظيمة في حجة الوداع، فقال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب» (٤)، والقول بكفر المسلم من أعظم ما يقدح في عرضه، وهو مستتبع لهتك ماله ودمه.

فالأصل في المسلم سلامة معتقده، وبراءة ذمته، فلا يجوز تكفيره ولا تبديعه ولا اتهامه إلا بأن يكون مستحقا لذلك التكفير أو الابتداع أو الاتهام، وبشروط وضوابط محددة في الشرع (٥)؛ ولأن في التكفير تقرير لأمور خطيرة، منها: إسقاط العبادات عنهم إذا تابوا، وإسقاط جميع حقوق المخلوقين من الأموال والدماء وغيرهما، وإباحة فروج نسائهم إذا لم يتوبوا، وسفك دمائهم .... (٦).


(١) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: ٢/ ٢١٠، وانظر: فتح الباري: ١٠/ ٤٦٦ - ٤٦٧.
(٢) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، برقم: ٦٠٤٧.
(٣) التمهيد: ١٧/ ٢١.
(٤) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم: ١٧٣٩.
(٥) انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام: ٢/ ٢٦.
(٦) إيثار الحق على الخلق: ٤٠٥.

<<  <   >  >>