للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يشير مفهوم "الطاعة السياسية" إلى الانقياد ل "ولي الأمر" سواء كان خليفة أو ملكاً أو أميراً أو رئيساً، وتنفذ أوامره ونواهيه، شريطة أن لا يُرى منه كفر بواح. ويقترح السلفيون الصبر على الحاكم الظالم وعدم الخروج عليه إلا إذا كان النصر مُحققاً، خوفاً من الوقوع في الفتنة" (١).

بل أغرب من هذا أنهم جعلوا دوافع الإمام في السمع والطاعة من أجل أن يحافظ على مذهبه.

يقول محمد شحرور: " ونجده في الجهة المقابلة يحرص على حثّ متبعيه على طاعة أولي الأمر طاعة خضوعٍ وخنوعٍ في قوله العجيب عند وضعه مقارنة بين ما كان عليه أهل الجاهلية وما جاء به الرسول موضحاً: (أنهم -يقصد أهل الجاهلية- كانوا يرون أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى فيه وأعاد) (٢).

يبدو التناقض ظاهراً في هذا المذهب الوهابي الذي يشدد من جهة على التوحيد والإخلاص لله وحده، والبراء من كل من حكم عليهم بالكفر أو النفاق ومعاداتهم بالقلب واللسان والفعل، غير أنه من ناحية أخرى، هي الناحية السياسية المؤسسة لأي جماعة في أي زمان ومكان، نجده يتراخى في إظهار الرفض والتمرد على الحكام، بل يوصي بالصبر على جورهم واتباع أوامرهم وتقديم فروض الولاء والطاعة لهم؟؟؟

قد نستغرب هذا التناقض للوهلة الأولى ولكننا نعي تماماً دوافع محمد بن عبد الوهاب لقول ذلك ونفهمها جيداً، فقد وافق على أنه يتم تبني مذهبه تحت راية السيف لبناء مملكة تتخذ هذا المذهب كأيدولوجيا تؤسس كل سياسية المملكة وتشريعاتها، وبالمقابل اشترط أن تضمن هذه السلطة استمرارية هذا المذهب وبقائه. وعلى هذا الأساس تم الاتفاق بين الطرفين لتشكيل المملكة السعودية، فمنحت السلطة التنفيذية في المملكة الحديثة للمذهب الوهابي كامل السلطة التشريعية، فصار بديهياً أن يأمر هذا المذهب بطاعة السلطة الحامية له، لأن


(١) الإسلام الوهابي في مواجهة تحديات الحداثة: ٥٣٢.
(٢) محمد بن عبد الوهاب، مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان: الرسالة الأولى: مسائل الجاهلية: ص ٣٢٥.

<<  <   >  >>