للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجديد الذي أصبح يهدد حريتها ومكاسبها وربما وجودها، ومن الطبيعي أن تصبح تلك المذاهب المخالفة مذاهب مارقة ومنحرفة ومبتدعة إذا اشتد خلافها السياسي مع تلك الدولة الناشئة، كما أن تبني السلطة السياسية لمذهب ذلك الفقيه (الحليف) يمنح هذا الأخير احتكار إدارة الشأن الديني في المجال العام، وفرض رؤيته الفقهية على الواقع الاجتماعي، وتنميط سلوك أفراد المجتمع وفق تلك الرؤية، وهذا وفق تجارب التاريخ، أقصى ما يطمح إليه الفقيه عندما يكون حليفاً للسلطة.

وفي المقابل يكون الأثر الثاني: وهو أن يقوم الفقيه (الحليف) بدعم ذلك الحاكم السياسي، وإصباغ الشرعية الدينية على سلطانه، فتكون طاعته من طاعة الله، ومعارضته ومنازعته في قراراته السياسية معصية لله تعالى وسبب لإثارة الفتن، إضافة إلى بثّ الخطب والكتابات التبريرية لسياسات الحاكم وتهدئة أو تعبئة العوام نحوها " (١).

ثم ذكر ما جرى بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود من التحالف، فقال: " بحسب خلاصة رواية ابن غنام وابن بشر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما انتقل إلى الدرعية في عام ١١٥٧ هـ التقى بأميرها محمد بن سعود آل مقرن، فرحب به الأمير وقال له: (أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والمنعة، فقال له الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين، وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم، فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد وأنت ترى نجداً كلها وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف والقتال لبعضهم البعض، فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك) (٢).

نلاحظ هنا المضامين السياسية الواضحة في خطاب الشيخ ، فهو ليس مجرد داعية في هذا الحوار، وإنما داعية يخطط لقيام كيان سياسي لنصرة دعوته وتجسديها في الواقع: (أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين)، (من تمسك وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد)، (فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك). فقبول الدعوة ونصرتها في خطاب


(١) المرجع السابق: ٤٩٠.
(٢) ابن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، الرياض، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، ٢٠٠٢: ص ٥١.

<<  <   >  >>