للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يمكن أن تكون دعوة السلف تنقل دار الحرب إلى الديار الإسلامية؛ إلا إن كان يقصد بالديار الإسلامية، البلاد التي يظهر فيها الشرك الأكبر، ولا تحكم بشرع الله، فقد قال الشيخ : "نقاتل عبّاد الأوثان كما قاتلهم ، ونقاتلهم على ترك الصلاة، وعلى منع الزكاة، كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق ؛ ولكن ما هو إلا كما قال ورقة بن نوفل: ما أتى أحد بمثل ما أتيت به إلا عودي وأوذي وأُخرج" (١).

ثم إن الحكم على بلد بكونه بلاد حرب أو بلاد إسلام، أمرٌ يحتاج إلى علم وفقه ومعرفة بالواقع، ولا يصدر إلا من الراسخين في العلم، وليست المسألة متروكة لكل أحد (٢).

قال الصنعاني في بلاد عدن وما والاها، لما استولى عليها الإفرنج، وكذلك نظائرها من بلاد الهند: "وأما الأقطار التي استولى عليها المسلمون، وغلبوا عليها منذ الفتوحات الإسلاميّة، أيّام الدولتين الأموية والعباسية، وهلمّ جرا، فبعد ظهور كلمة الإسلام بهذا المعنى هي دار الإسلام، إذ الأصل في كل قطر من أقطار الإسلام بعد ظهور كلمة الإسلام؛ أن يكون إسلام أهله من البقاء على يقين فلا يرتفع عنه إلا بيقين، فمتى علمنا يقيناً ضرورياً بالمشاهدة أو السماع تواتر أنّ الكفار استولوا على بلد من بلاد الإسلام التي تليهم وغلبوا عليها وقهروا أهلها بحيث لا يتم لهم إبراز كلمة الإسلام إلا بجوار من الكفار صارت دار حرب، وإن أقيمت فيه الصلاة … وبما حررناه تبين لك أنّ عدن وما والاها إن ظهرت فيها الشهادتان والصلوات ولو ظهرت فيها الخصال الكفريّة بغير جوار فهي دار إسلام، وإلا فدار حرب، وكذا سائر بلاد الهند، وما والاها الحكم عليها بهذا الاعتبار" (٣).


(١) مؤلفات الشيخ: ١/ ٩٨.
(٢) انظر في الأقوال في تحول الدار إلى دار إسلام أو كفر: تحفة المحتاج بشرح المنهاج مع حاشيتي الشرواني وابن قاسم: ١٢/ ١٠٨، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٢/ ١٦٨، والبحر الرائق: ٣/ ٢٣٠، ٢٣١، ومجموع الفتاوى: ٢٨/ ٢٤٠، تقسيم الدار في الفقه الإسلامي: ٣٧٠ وما بعدها.
(٣) العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة: ٢٣٣ - ٢٣٨.

<<  <   >  >>