للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحجة.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية : "والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به، فأما العاجز عن العلم كالمجنون، أو العاجز عن العمل، فلا أمر عليه ولا نهي. واذا انقطع العلم ببعض الدين، أو حصل العجز عن بعضه، كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله، كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلا" (١).

تاسعا: مما ينبغي التنبه إليه في مثل هذه المسألة المهمة أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص.

قال ابن القيم : " الله يقضى بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أم لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله ﷿ وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب. وأما في أحكام الدنيا فهي جارية مع ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا، لهم حكم أوليائهم. وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة. وهو مبني على أربعة أُصول:

أحدها: أن الله لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه …

الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادة العلم بها وبموجبها. الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله


(١) المرجع السابق: ٢٠/ ٥٩، ٤٨٦.

<<  <   >  >>