فيها، ويكون عليه مثلها مكيلة ذلك ثمرا، وكذلك يفعل في العنب، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
وخالفهم في ذلك آخرون (١)، فكرهوا ذلك وقالوا: ليس في شيء من هذه الآثار أن التمرة كانت رطبا في وقت ما خرصت في حديث ابن عمر وجابر ﵃. وكيف يجوز أن يكون كانت رطبا حينئذ، فيجعل لصاحبها حق الله فيها بكيلة ذلك تمرا يكون عليه نسيئة. وقد نهى رسول الله ﷺ عن بيع التمر في رءوس النخل بالتمر كيلا، ونهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة، وجاءت بذلك عنه الآثار المروية الصحيحة، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع من كتابنا هذا، ولم يستثن رسول الله ﷺ في ذلك شيئا.
فليس وجه ما روينا في الخرص عندنا على ما ذكرتم، ولكن وجه ذلك عندنا، -والله أعلم-، أنه إنما أريد بخرص ابن رواحة ليعلم به مقدار ما في أيدي كل قوم من الثمار، فيؤخذ مثله بقدره في وقت الصرام لا أنهم يملكون منه شيئا مما يجب الله فيه ببدل لا يزول ذلك البدل عنهم. وكيف يجوز ذلك؟ وقد يجوز أن تصيب الثمرة بعد ذلك آفة فتتلفها، أو نار فتحرقها، فتكون ما يؤخذ من صاحبها بدلا من حق الله تعالى مأخوذا منه بدلا مما لم يسلم له. ولكنه إنما أريد بذلك الخرص ما ذكرنا، وكذلك ما في حديث عتاب بن أسيد، فهو على ما وصفنا من ذلك أيضا. وقد دل على ذلك أيضا ما قد
(١) قلت أراد بهم: الشعبي، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا ﵏، كما في النخب ١٠/ ٣٢٨.