فقد اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي ﷺ في تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذي محرم.
واختلف فيما دون الثلاث، فنظرنا في ذلك، فوجدنا النهي عن السفر بلا محرم مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا ثابتًا بهذه الآثار كلها، وكان توقيته ثلاثة أيام في ذلك إباحة السفر دون الثلاث لها بغير محرم، ولولا ذلك لما كان لذكره الثلاث معنى.
ولمهى نهيًا مطلقا ولم يتكلم بكلام يكون فضلا، ولكنه ذكر الثلاث ليعلم أن ما دونها بخلافها، وهكذا الحكيم يتكلم من الكلام بما يدل على غيره ليغنيه عن ذكر ما يدل كلامه ذلك عليه، ولا يتكلم بالكلام الذي لا يدل على غيره، وهو يقدر أن يتكلم بكلام يدل على غيره.
وهذا تفضيل من الله ﷿ لنبيه ﷺ بذلك، إذ آتاه جوامع الكلم الذي ليس في طبع غيره القوة عليه.
ثم رجعنا إلى ما كنا فيه، فلما ذكر الثلاث وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها، ثم ما روي عنه في منعها من السفر دون الثلاث من اليوم واليومين والبريد، فكل واحد من تلك الآثار، ومن الأثر المروي في الثلاث متى كان بعد الذي خالفه نسخه، إن كان النهي عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهي عن سفر الثلاث بلا محرم فهو ناسخ له، وإن كان خبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ له.
فقد ثبت أن أحد المعاني التي دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخة لها فلم يخل خبر الثلاث من أحد وجهين: إما أن يكون هو المتقدم، أو يكون هو المتأخر.