ألا ترى أنه إذا كان حاجا فلم يقف بعرفة حتى مضى وقتها أن الحج قد فاته، ولا يحل إلا بفعل يفعله من الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق، أو التقصير. ولو وقف بعرفة وفعل جميع ما يفعله الحاج غير الطواف الواجب، لم تحل له النساء أبدا حتى يطوف الطواف الواجب.
وكذلك العمرة لا يحل منها أبدا إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، والحلق الذي يكون منه بعد ذلك.
فكانت هذه أحكام الإحرام المتفق عليه لا يخرجه منه مرور مدة، وإنما يخرجه منه الأفعال.
وكان من أحرم بعمرة، وساق الهدي وهو يريد التمتع فطاف لعمرته وسعى، لم يحل حتى يفرغ من حجة وينحر الهدي.
فكانت هذه حرمة زائدة بسبب الهدي لأنه لولا الهدي لكان إذا طاف لعمرته وسعى حلق وحل له، فإنما يمنعه من ذلك الهدي الذي ساقه، ثم كان إحلاله من تلك الحرمة أيضا إنما يكون بفعل يفعله لا بمرور وقت. فكان هذا أحكام الإحرام المتفق عليه لا يخرج منها بمرور الأوقات ولا بأفعال غيره، ولكن بأفعال يفعلها هو. وكأن من بعث بهدي، وأقام في أهله، وأمر أن يقلّد ويشعر، فوجب عليه بذلك التجريد في قول من يوجب ذلك، يحل من تلك الحرمة، لا بفعل يفعله، ولكن في وقت ما يحل الناس.