ومما يدل على ذلك أيضا أنها قالت لرسول الله ﷺ: قد وهبت نفسي لك. فقام إليه ذلك الرجل فقال له: إن لم تكن لك بها حاجة، فزوجنيها. فكان هذا ما ذكر في ذلك الحديث، ولم يذكر فيه أن رسول الله ﷺ شاورها في نفسها، ولا أنها قالت له: زوجني منه.
فدل ذلك إذ كان تزويجه إياها منه لا بقول ثان به بعد قولها: قد وهبت نفسي لك، وإنما هو لقولها الأول فلم تكن قالت له، قد جعلت لك أن تهبني لمن شئت بالهبة التي لا توجب مهرًا جاز النكاح، وقد أجمعوا أن الهبة خالصة لرسول الله ﷺ لما ذكرنا من اخلاص الله تعالى إياه بها دون المؤمنين.
غير أن قوما قالوا: ﴿خَالِصَةً لَكَ﴾ [الأحزاب: ٥٠] أي: بلا مهر، وجعلوا الهبة نكاحا لغيره يوجب المهر.
وقال آخرون: ﴿خَالِصَةً لَكَ﴾ [الأحزاب: ٥٠] أي أن الهبة تكون لك نكاحا، ولا تكون نكاحا لغيرك.
فلما كانت المرأة المذكور أمرها في حديث سهل منكوحة بهبتها نفسها للنبي ﷺ على ما ذكرنا، ثبت أن ذلك النكاح خاص له كما قال الذين ذهبوا إلى ذلك.
فإن قال قائل: فقد يجوز أن يكون مع ما ذكر في الحديث سؤال من رسول الله ﷺ لها أن يزوجها منه، وإن كان ذلك لم ينقل إلينا في ذلك الحديث.