قيل له: وكذلك يحتمل أيضا أن يكون النبي ﷺ، قد جعل لها مهرًا غير السورة، وإن كان ذلك لم ينقل إلينا في الحديث، فإن حملت الحديث على ظاهره على ما تذهب إليه أنت لزمك ما ذكرنا من أن ذلك النكاح كان بالهبة التي وصفنا. وإن حملت ذلك على التأويل على ما وصفت فلغيرك أيضا أن يحمله أيضا من التأويل على ما ذكرنا، ثم لا تكون أنت بتأويلك أولى منه بتأويله.
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.
وأما وجهه من طريق النظر، فإنا قد رأينا النكاح إذا وقع على مهر مجهول لم يثبت المهر، ورد حكم المهر إلى حكم من لم يسم لها مهرًا، فاحتيج إلى أن يكون المهر معلوما كما تكون الأثمان في البياعات معلومة، وكما تكون الأجرة في الإجارات معلومة.
وكان الأصل المجتمع عليه أن رجلا لو استأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن سماها بدرهم، أن ذلك لا يجوز.
وكذلك لو استأجره على أن يعلمه شعرا بعينه بدرهم كان ذلك غير جائز أيضا، لأن الإجارات لا تجوز إلا على أحد معنيين: إما على عمل بعينه، مثل غسل ثوب بعينه، أو على خياطته، أو على وقت معلوم لا بد له فيها من أن يكون الوقت معلوما، أو العمل معلوما.
وكان إذا استأجره على تعليم سورة، فتلك إجارة لا على وقت معلوم، ولا على عمل معلوم، إنما استأجره على أن يعلمه ذلك، وقد يتعلم بقليل التعليم وبكثيره، وفي قليل الأوقات وكثيرها.