الرجلَ ثمر نخلة من نخله، فلا يسلم ذلك إليه حتى يبدو له، فرخص له أن يحبس ذلك، ويعطيه مكانه خرصه تمرًا.
وكان هذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك، لأن العرية إنما هي العطية.
ألا ترى أن الذي مدح الأنصار كيف مدحهم إذ يقول:
ليستْ بسَنْهاء ولا رُجبيَّة … ولكن عرايا في السِّنين الجَوائح
أي: أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح.
فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك إذا لما كانوا ممدوحين بها إذ كانوا يعطَون كما يعطون، ولكن العرية بخلاف ذلك.
فإن قال قائل: فقد ذكر في حديث زيد بن ثابت ﵁، أن رسول الله ﷺ"نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا"، فصارت العرايا في هذا الحديث أيضًا بيع ثمر بتمر، قيل له: ليس في هذا الحديث من ذلك شيء، إنما فيه ذكر الرخصة في العرايا مع ذكر النهي عن بيع الثمر بالتمر، وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمها مختلف.
فإن قال قائل: فقد ذكر التوقيف في حديث أبي هريرة ﵁ على خمسة أوسق، وفي ذكره ذلك ما ينفي أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه.
قيل له: ما فيه ما ينفي شيئًا مما ذكرت، وإنما يكون ذلك كذلك لو قال رسول الله ﷺ: لا تكون العرية إلا في خمسة أوسق، أو فيها دون خمسة أوسق.