فأما إذا كان الحديث إنما فيه أن رسول الله ﷺ رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق، أو فيما دون خمسة أوسق، فذلك يحتمل أن يكون النبي ﷺ رخص فيه لقوم في عرية لهم، هذا مقدارها. فنقل أبو هريرة ﵁ ذلك، وأخبر بالرخصة فيما كانت، ولا ينفي ذلك أن تكون تلك الرخصة جاريةً فيما هو أكثر من ذلك.
فإن قال قائل: ففي حديث ابن عمر وجابر ﵄"إلا أنه رخص في العرايا" فصار ذلك مستثنًى من بيع الثمر بالتمر، فثبت بذلك أنه بيع ثمر بتمر.
قيل له: قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المعرى له، فرخص له أن يأخذ تمرًا بدلًا من تمر في رءوس النخل؛ لأنه يكون بذلك في معنى البيع، وذلك له حلال، فيكون الاستثناء لهذه العلة.
وفي حديث سهل بن أبي حثمة "إلا أنه رخص في بيع العرية بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا"، فقد ذكر للعرية أهلًا، وجعلهم يأكلونها رطبًا، ولا يكون ذلك إلا ومَلَكَها الذين عادت إليهم بالبدل الذي أخذ منهم، فذلك يثبت قول أبي حنيفة ﵀.
فإن قال قائل: لو كان تأويل هذه الآثار ما ذهب إليه أبو حنيفة لما كان لذكر الرخصة فيها معنى.
قيل له: بل له معنى صحيح، ولكن قد اختلف فيه ما هو،
فقال عيسى بن أبان: معنى الرخصة في ذلك أن الأموال كلها لا يملك بها إبدالًا إلا من كان مالكها لا يبيع الرجل مالًا يملك ببدله، فيملك ذلك البدل.