وذلك أن الذين قد أجازوا المساقاة في ذلك قد زعموا أنهم قد شبهوها بالمضاربة وهي المال يدفعه الرجل إلى الرجل على أن يعمل بذلك على النصف، أو الثلث، أو الربع، فكل قد أجمع على جواز ذلك، وقام ذلك مقام الاستئجار بالمال المعلوم.
قالوا: فكذلك المساقاة تقوم النخل المدفوعة مقام رأس المال في المضاربة ويكون الحادث عنها من التمر (١) مثل الحادث عن المال من الربح.
فكانت حجتنا عليهم في ذلك أن المضاربة إنما يثبت فيها الربح بعد سلامة رأس المال ووصول ذلك إلى يدي رب المال ولم ير المزارعة ولا المساقاة فعل فيهما ذلك.
ألا ترى أن المساقاة في قول من يجيزها لو أثمرت النخل فجد عنها الثمر ثم احترقت النخل وسلم الثمر كان ذلك الثمر بين رب النخل والمساقي على ما اشترطا فيها. ولم يمنع من ذلك عدم النخل المدفوعة كما يمنع عدم رأس المال في المضاربة من الربح. وقد كانت المساقاة والمزارعة إذا عقدتا لا إلى وقت معلوم كانتا فاسدتين ولا تجوزان إلا إلى وقت معلوم.
وكانت المضاربة تجوز لا إلى وقت معلوم وكان المضارب له أن يمتنع بعد أخذه المال للمضاربة من العمل به متى أحب ولا يجبر على ذلك وقد كان لرب المال أيضًا أن يأخذ المال من يده متى أحب شاء ذلك المضارب أو أبى.
وليست المساقاة ولا المزارعة كذلك، لأنا رأينا المساقي إذا أبى العمل بعد وقوع