للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نظر من كل واحد من المشتريين إلى ثوب صاحبه، وممن ذهب إلى هذا التأويل مالك بن أنس .

وخالفهم في ذلك آخرون (١)، فقالوا: من اشترى شيئا غائبا عنه، فالبيع جائز، وله فيه خيار الرؤية إن شاء أخذه، وإن شاء تركه، وذهبوا في تأويل الحديث الأول إلى أن الملامسة المنهي عنها فيه هي: بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه فيما بينهم، فكان الرجلان يتراوضان (٢) على الثوب، فإذا لمسه المساوم به كان بذلك مبتاعا له، ووجب على صاحبه تسليمه إليه، وكذلك المنابذة كانوا أيضا يتقاولون في الثوب، وفيما أشبهه، ثم يرميه ربه إلى الذي قاوله عليه، فيكون ذلك بيعا منه إياه، ثوبه ولا يكون له بعد ذلك نقضه، فنهى رسول الله عن ذلك، وجعل الحكم في البياعات أن لا يجب إلا بالمعاقدات المتراضى عليها، فقال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، فجعل إلقاء أحدهما إلى صاحبه الثوب قبل أن يفارقه غير قاطع لخياره.

ثم اختلف الناس بعد ذلك في كيفية تلك الفرقة على ما قد ذكرنا من ذلك في موضعه من كتابنا هذا، وممن ذهب إلى هذا التأويل أبو حنيفة . ولما اختلفوا


(١) قلت: أراد بهم: الشعبي، والنخعي، والثوري، والزهري، وابن شبرمة، والحسن، وابن سيرين، ومكحولا، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدا، وزفر ، كما في النخب ٢٣/ ٣١٣.
(٢) من المراوضة وهو: التجاذب في البيع والشراء، وهو ما يجري بين المتابعين من الزيادة والنقصان، كأن كل واحد منهما يروض، صاحبه من رياضة الدابة.