الطريق الثاني: وهو الأظهر، أن يحمل الأمر في ذلك حيث جاء على الوجوب، غير أنا نقول: لعلّ أحوال هؤلاء المستحاضات اختلفت، فحيث أمرن بالاغتسال لإدبار الحيض فقط كن ذوات تمييز أو اعتياد، فانقطع اللبس بالردّ إلى ذلك. وحيث أمرن بالاغتسال لكلّ صلاة أو صلاتين كانت حلة الحيض من الاستحاضة مجهولة عندهنّ ولم تتبيّن إما لنسيان مدة الحيض أو قدره أو غير ذلك، فيكون السؤال قد وقع منهن حيث يمكن الردَ إلى التمييز أو العادة فرددن إلى ذلك، ووقع منهنّ حيث لم يمكن فأُمرن بذلك الاغتسال وروي لنا ما وقع من ذلك في أوقات مختلفة في وقت واحد بألفاظ مختلفة، ويعضد هذا التأويل من حيث النقل أن ما سقناه من خبري فاطمة وأم حبيبة من طريقي ابن إسحاق وسُهيل بن أبي صالح تضمّن الأمر بالغسل لكل صلاة أو صلاتين، ولم يتضمَّن الرد إلى عادة ولا إلى تمييزٍ، وما أوردناه من غير هذين الطريقين مما يقتضي الرد إلى تمييزٍ أو عادة، ولم نر فيه للأمر بالاغتسال للصلوات ذكرًا فتبيّن لنا بذلك اختلاف الحال، وحتى لو اجتمع لنا ذلك كله في خبر واحد ولم نر ذلك بعد لحملناه على أنه تخليط من الراوي وإدخال منه للفظ حديث في لفظ حديث آخر يشبهه لما ذكرناه من التفصيل.
ويعضده من حيث المعنى أن هذا الاغتسال إنما ينبغي أن يؤمر به حيث يجهل الحال في الدم الخارج، هل هو دم حيض أو استحاضة، فمتى علمنا أنّه دم استحاضة كان حكمها بالطهارة بيقين، ولا غسل على طاهر، والله أعلم.