وأما أحاديث الاغتسال لكل صلاة أو صلاتين وقول أبي عمر إنها مضطربة لا تقوم بها حجة فنقول:
المأمورة بذلك من المستحاضات فاطمة بنت أبي حبيش كما جاء في حديث سهيل بن أبي صالح وأم حبيبة بنت جحش كما جاء في خبر الزهريّ من طريق ابن إسحاق، وفي حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وحمنة بنت جحش كما جاء في حديث ابن عقيل، وهذه الأحاديث الثلاثة هي أصول هذا الباب كما تقدم عن أحمد، وما عداها فليس بشيء، وثبت الاغتسال الذي بعض طرقها كما ذكرناه، ولم يثبت في البعض، فمن رأى ذلك فيها اضطرابًا يقتضي الترك وردها به فمن أين يأخذ أحكام هذا الباب؟
لكنّا نقول: ليست مضطربة، ثم لنا في الجواب عن ما وقع من اختلاف هذه الألفاظ طريقان:
الأول: أن نقول لعلّ الأمر بذلك الغسل حيث جاء ليس على الوجوب لثبوته في بعض الأحيان وسقوطه في بعضها, ولو كان واجبًا لثبت في كل حين، ويعضد هذا التأويل قوله - عليه السلام - في حديث حمنة:"سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنك؛ فإن قويت عليهما فأنت أعلم"، وذكر الاغتسال لكل صلاتين، ثم قال عند تمامه:"وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو أعجب الأمرين إليّ"، ولا يخلو الحديث من محذوف، وهو قولها: إنها قويت، وبذلك يتوجه أن يكون قوله - عليه السلام -: "هو أعجب إلي"؛ جوابًا عن قولها: إنها قويت، ولو كان الاغتسال واجبًا لما حصل فيه تخيير ولتوجه الأمر به على الجزم، وفي كون الاغتسال هو المقدم في الذكر والأعجب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يشير إلى أن الثاني من الأمرين وإن لم يذكر هو عدم ذلك الاغتسال، والاقتصار على الوضوء، والله أعلم.