فالمباح هنا هو القسم الثالث الذي هو المندوب إليه، وإذا كان ذلك فالحرام منه كالغيبة وما أشبه ذلك من باب أولى بالمنع.
وكراهة الحديث بعدها لمعنيين:
الأول: ما قد يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة والإتيان بها في وقت الأفضلية والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك.
الثاني: وإن أمن من ذلك فالحديث والسهر بالليل يوجب الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات ومصالح الدين والدنيا، وقد جعل الله الليل سكنًا كما قال تعالى:{وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ...}، وكما قال تعالى:{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهارلتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضل ...}؛ لتسكنوا فيه: يعني الليل، ولتبتغوا من فضله: يعني النهار. فأعاد الأول للأول، والثاني للثاني، ويأتي في الكلام هذا وعكسه كقوله تعالى:{يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم}، ثم قال بعد الفراغ من هذا القسم:{وأما الذي ابيضت وجوههم}.
فالكلام إن دعت إليه ضرورة أو اقتضته مصلحة فهو مشروع كما دلت عليه الأحاديث السابقة من المصالح العامة كسهره - عليه السلام - مع أبي بكر وحديثه معه في الأمر من أمر المسلمين، وكما روى البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر صلاة العشاء الآخرة إلى شطر الليل ثم خرج فصلى ثم قال:"أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يبقى على ظهر ممن هو اليوم على ظهرها أحد".
وفي الحديث الصحيح أن أبا بكر صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ثم تعشى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف بعدما مضى من الليل ما شاء الله، فقالت له امرأته: ما