قال القاضي عياض: أما حديث أبي قتادة فلا مرية أنه غير حديث أبي هريرة، وكذلك حديث عمران بن حصين.
وما قاله الأصيلي وأبو عمر عندي أولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه فهو لا ينسى مثل هذا ولا تنام عينه، وإنما هذا من باب أنسى لأسُنّ، وذلك يحصل بالمرة الواحدة، ودعوى القاضي التباين بين حديثي أبي قتادة وعمران بن حصين يرده أنه من تمام خبر أبي قتادة من طريق ابن رباح عنه قال عبد الله بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإني أحد الركب في تلك الليلة. قلت: فأنت أعلم بالحديث. فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم. قال: فحدثت القوم. فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدًا حفظه كما حفظته. كذلك رواه مسلم وغيره.
وإذا ترجح من حيث النقل بكثرة الرواة، وما ذكره أهل المغازي أن هذه الواقعة كانت حين قفولهم من خيبر فأبو هريرة كان معهم، فالأحاديث الثلاثة إذًا خبر واحد، وإن اختلفت الألفاظ والعبارات عما وقع فمما لا يحصى من الأحاديث كذلك. وقد قيل في حديث:"إن عيني تنامان .. " أن ذلك غالبًا وقد يقع منه النوم نادرًا كحديث الوادي، وقيل لا يحصل الاستغراق في النوم حتى يكون منه الحدث، وقد قيل بظاهره فإن النوم يوم الوادي عن طلوع الفجر من نوم العين لا من نوم القلب، فإن الفجر بالعين يدرك، وما تقدم من ذلك للتشريع أولى لقوله - عليه السلام -: "إنما أرواحنا بيد الله ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا"، وقول بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. فالمراد به كله حقيقة النوم المستغرف حتى خروج وقت الصلاة، وقد وقع ذلك صريحًا في قوله - عليه السلام -: "لو شاء الله لأيقظنا" ولكن أراد أن يكون سنة لمن بعدكم" في حديث العلاء بن خباب (١).