للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما هو في مصطلحه، أو لا؟

بل لعلّه عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح، يدخل في أقسامه، فإنّهم لم يرسموا له رسمًا يقف الناظر عنده، ولا عرفوا مُرادَهم منه بتعريف يجب المصير إليه، ولم يذكر الترمذي في التعريف به ما ذكر حاكيًا عن غيره، ولا مشيرًا إلى أنه هو الاصطلاح المفهوم من كلام من تقدمه، بل ذكر ما ذكر مِن ذلك حاكيًا عن مصطلحه مع نفسه في كتابه "الجامع"، فقال: "وما ذكرنا في هذا الكتاب: "حديث حسن"، فإنما أردنا حُسْن إسناده، عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يُتَّهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًا، ويُروى مِن غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن".

فهذا كما ترى إخبار عن مصطلحه في هذا الكتاب، فلو قال في كتابٍ غير هذا عن حديث بأنه "حسن"، وقال قائل. "ليس لنا أنْ نفسر الحسن هناك بما هو مُفَسَّر به هنا إلَّا بعد البيان"؛ لكان له ذلك.

وأمّا غير الترمذي من طبقته وما قاربها، فإنّ الإمام أبا عمرو -رحمه الله- زَعَم أن مِن مظانّ الحسن "كتاب أبي داود"، وإنّما أخذ ذلك من قوله: "ذكرتُ فيه الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه".

وقد قال أبو داود (١) إنه يذكر في كتابه في كل باب، أصحّ ما عَرَفه في ذلك الباب، وقال: "ما كان في كتاب مِن حديث فيه وهن شديد فقد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح مِن بعض"، فلم يرسم شيئًا بالحُسن، وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم -الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره- أنه اجتنب الضعيف الواهي، وأتى بالقسمين الأول والثاني، وحديث مَن مَثل به مِن الرواة مِن


(١) "الرسالة" (٢٢، ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>