للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسمين الأول والثاني موجود في كتابه، دون القسم الثالث.

فهلَّا ألْزَم الشيخ أبو عمرو مسلمًا مِن ذلك ما ألْزم به أبا داود؟ فمعنى كلامهما واحد، وقول أبي داود: "وما يشبهه"؛ يعني: في الصحة، و"ما يقاربه"؛ يعني: فيها أيضًا، وهو نحو قول مسلم: "إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان، فاحتاج إلى أنْ ينزل إلى مثل حديثٌ ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، لِما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق، وإنْ تفاوتوا في الحفظ والإتقان، ولا فرق بين الطريقين، غير أن مسلمًا شرط الصحيح، فَتَحَرج مِن حديث الطبقة الثالثة، وأبا داود لم يشترطه، فذكر ما يشتد وهذه عنده، والتزم البيان عنه، وفي قول أبي داود: "إن بعضها أصح مِن بعض"، ما يشير إلى القدر المشترك بينهما مِن الصحة، وإنْ تفاوتت فيه، لِما تقتضيه صيغة: "أفْعَل" في الأكثر، قال الإِمام أبو عمرو: "فعلى هذا، يكون ما وجدناه في كتابه -يعني أبا داود- مذكورًا مطلقًا، وليس في واحد مِن الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن ميز بين الصحيح والحسن، عرَّفناه بأنّه مِن الحسن عند أبي داود، وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره".

وقد تَعَقَّب أبو عبد الله بن رشَيْد هذا، بأنْ قال: "ليس يلزم أنْ يستفاد مِن كَوْنِ الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف، ولا نص عليه غيرُه بصحةٍ، أن الحديث عند أبي داود "حسن"؛ إذْ قد يكون عنده صحيحًا، وإنْ لم يكن عند غيرِهِ كذلك".

وهذا تَعَقبٌ حسن، لكنَّه ربما نَبَّه عليه قولُ الإِمام أبي عمرو: "وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره". فمِن هنا يلوح لقائل أنْ يقولَ: وقد يكون في ذلك ما هو صحيح عنده، وليس صحيحًا عند غيرِهِ؛ لأنّه جوز أنْ يخالفَ حكمُهُ حكمَ غيرِهِ في طرف، فكذلك يجوز أنْ يخالفه في طرف آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>