للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ومن الدليل على ذلك: دخول المسح بين الغسلين، لأنه لو قدَّم ذكر الرجلين، وأخر مسح الرأس لما فهم المراد من تقديم المسح، فأدخل المسح بين الغسلين، ليعلم أنه قدم على الرجلين، ليثبت بذلك الرأس قبل الرجلين، ولولا ذلك لقال: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم. وما معناه أنهم أجمعوا على إجزاء الوضوء المرتب واختلفوا في غير المرتب (١).

فالمرتب مجمع عليه بيقين، والعمل بما أجمعوا عليه أولى من العمل بما اختلفوا فيه.

ذكر معناه أبو عمر.

قلت: أما الأولوية فلا نزاع فيها، والأولى أن يلزم بهذا من انتحل مذهب مالك، إذ من قواعدهم مراعاة الخلاف، وأما الواو: فلا يتأتى الترتيب، حتى يقع التعارض بينهما وبين "ثم" التي تقتضيه.

وقد جاء الوضوء به منسوبًا بلفظة "ثم" المقتضية للترتيب، في غير حديث من الأحاديث الصحيحة، من ذلك: حديث عثمان، وحديث عمرو بن عبسة، وكلاهما عند مسلم (٢).

وقد توضأ - عليه السلام - وضوءً مرتبًا، وقال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" (٣).

وأما اقتضاء الواو الترتيب؛ فقد نقل عن ابن عباس في المشي إلى بيت الله، قوله: أن لا أكون مشيت لأني سمعت الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}،


(١) التمهيد (٢/ ٨٦ - ٨٩).
(٢) سبق تخريجها.
(٣) انظر التمهيد (٢/ ٨٣ - ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>