وهذا الكلام حمل القاضي فيه النهي على الكراهة وعدم التحريم وحكايته عن بعضهم التحريم تقريب لا تصريح.
وما حكيناه عن النووي من التفصيل أظهر من هذا غير أنه قال: فإن الماء كثيرًا جاريًا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث وهذا مفهوم المخالفة والخلاف فيه معروف وهو هنا يختص بالجاري وأما الكثير فلا مدخل له في الفهوم هذا فيما يرجع إلى الماء اليسير أو ما قاربه؛ أما حكم البول في الماء الكثير المستبحر الذي لا ينجسه مثل ذلك ولا يستقذر بملاقاة مثله فيرجع إلى أن العموم هل يخص بالمعتاد والغالب أو لا؛ فمن قال بالأول صرف النهي إلى المياه المعتادة في الاستعمال غالبًا وأخرج عن ذلك ما ينذر استعماله ولا يكاد يخطر ببال المتكلم ومن لم يخص العموم بذلك فلا يبعد أن يجري اللفظ على ظاهره إن لم يخصه الإجماع هذا كله إذا لم يعلل النهي بعلة وأما إذا قلنا إنه معلل بالتنجيس أو الاستقذار وهما منتفيان عنه فالحكم ينتفي بانتفاء علته.
وقد استدل أبو يوسف رحمه الله بهذا الحديث على نجاسة الماء المستعمل فإنه فرق بين الغسل فيه والبول فيه؛ والبول فيه ينجسه فكذلك الغسل فيه، وفي دلالة القرآن بين الشيئين على استوائهما في الحكم خلاف بين العلماء فالمذكور عن أبي يوسف والمزني ذلك وخالفهما غيرهما واستدل بقوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، الأول غير واجب، والثاني واجب، ولا ينبغي أن يجعل هذا الحديث وإن اختلفت ألفاظه حديثًا واحدًا، ذكر في بعض طرقه الوضوء في قوله: ولا يتوضأ منه، وفي بعضها الاغتسال، وفي بعضها ولا يغتسل، وفي بعضها ثم يغتسل، فيحتاج إلى حمل بعض هذه الألفاظ على بعض أو الترجيح لأحدهما فيقال به، ويعدل عن ما عداه بل هي أحاديث متعددة، وكلها صحيح ولأن الوضوء