للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقراءة القرآن على قبره من حيث إن المعنى الذي ذكرناه في التخفيف عن صاحبي القبرين هو بتسبيح النبات ما دام رطبًا؛ فقراءة القرآن من الإنسان أولى بذلك (١).

قالوا (٢): وليس لليابس تسبيح، وقيل في معنى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤]؛ أي: وإن (٣) من شيء حي، ثم قالوا: حياة كل شيء بحسبه، فحياة الخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع.

وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى حمل ذلك على عمومه (٤) ثم اختلف هؤلاء هل تسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحًا منزهًا لصورة حاله، والمحققون على أنه يسبح حقيقة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ... وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (٥).

وإذا كان العقل لا يحيل جعل التمييز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه،


(١) انظر شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (١/ ٦٣) وشرح صحيح مسلم للنووي (١/ ٢٠٠) والمفهم (١/ ٥٥٣) وإكمال المعلم (١/ ١٢٠).
وفي هذا نظر، أما كون النبات يسبح ما دام رطبًا فغير وجيه لأن الله تعالى ذكر أن كل ما في السماوات والأرض من أخضر ويابس يسبح بحمده: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فسقط قياس قراءة القرآن عليه، على أنه قياس مع وجود النص وهو باطل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقرأ وكان طبعًا حافظًا للقرآن وشفوقًا بالمؤمنين الذين ماتوا من قبله، والصحيح أن وضع الجريدة كان خاصًّا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخاصا بهذه الحادثة بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها إلا مرة أومرتين ولم يفعلها أصحابه لا في حياته ولا بعده. وللصنعاني في حاشيته على شرح العمدة كلام نفيس فلينظر (١/ ٢٧٤).
(٢) انظر إكمال المعلم (١/ ١٢٠)، المفهم (١/ ٥٥٢)، حاشية الصنعاني على شرح عمدة الأحكام (١/ ٢٧٣) فله كلام طيب. وشرح مسلم للنووي (١/ ١٩٢).
(٣) هذا ابتداء كلام النووي في شرح مسلم (١/ ١٩٢).
(٤) قال النووي في شرح مسلم (١/ ١٩٢): "وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى أنه على عمومه".
(٥) البقرة الآية ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>