للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثنا الهيثم بن جبل: ثنا غالب بن فرقد قال: صليت مع أنس بن مالك المغرب؛ فلما انصرفنا دعا بمائدته فتعشّى، ثم دعا بوضوء فغسل يديه ومضمض فاه، وغسل ذراعيه ووجهه، ثم جلسنا حتى حضرت العتمة، فصلى بذلك الوضوء ولم يغسل رجليه. فهذا يدل على أن أكل ذلك لم يكن عنده حدثًا ينقض الوضوء" (١)، كذا ذكر هذا الخبر أبو عمر رحمه الله تعالى، وليس مما يحصل له فيما ادعاء لأن الخبر ليس فيه أن الطعام الذي أكله أنس كان مما مسته النار، وأكثر ما فيه: دعا بمائدته فتعشى، وزعم بعض من انتحل مذهب ابن شهاب في أن أحاديث الأمر بالوضوء هي الناسخة من حديث سويد بن النعمان الذي تقدم ذكرنا له، من عند البخاري والنسائي، وفيه: "فتمضمض، وتمضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ ... " وفيه أنهم كانوا في طريق خيبر، وأن حديث أبي هريرة للوضوء كان بعد ذلك؛ لأن إسلام أبي هريرة إنما كان بعد فتح خيبر، وعارض هذا أن رواية ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّما هو كانت بآخرة. وقد ثبت عن ابن عباس من حفظه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ومشاهدته إياه في بيت ميمونة: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ولم يتوضأ مما مست النار" (٢). وإلى هذا احتج الشافعي، وجمهور العلماء.

قال الشافعي (٣): وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء مما مست النار، وإنما قلنا لا يتوضأ منه لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس وإنما صحبه بعد الفتح يروي عنه أنَّه رآه يأكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ (٣)، واختار الحازمي (٤) الرخصة في ذلك،


(١) التمهد (٣/ ٣٤١).
(٢) وقد سبق.
(٣) معرفة السنن والآثار (١/ ٤٤٦ - ٤٤٧) برقم ١٢٩٨ السنن الكبرى (١/ ١٥٥).
(٤) الاعتبار (١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>