للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا التقابل بين الغسل والفرك يقتضي اختلافهما، والذي قرب التأويل المذكور عند من قال به: إما في بعض الروايات عن عائشة أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب: "إنما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل مكانه، وإن لم تره نضحت حوله، لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".

فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه، وحكمت بالنضح لما لم يره، وهذا حكم النجاسات، فإن كان هذا الفرك المذكور من غير ماء، ناقض آخر الحديث أوله؛ الذي يقتضي حصر الإجزاء في قولها لأحكه يابسًا بظفري، أصرح وأنص على عدم الماء مما ذكر من القرائن في كونه مفروكًا بالماء، والحديث الواحد اختلفت طرقه ونعني بالقرائن النضح لما لم يُرَ، وقولها: "إنما كان يجزئك".

ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك، فقال: هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب، وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلى فيه فيحمل على قرب النوم، ويحمل الحديث الآخر الذي فيه الغسل على ثوب الصلاة، بدليل قولها: "فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء في ثوبه". ولا يقال إذا حملتم الثوب على ثوب غير الصلاة، فأي فائدة في ذكر ذلك؟ لأنا نقول: فائدته جواز لباس الثوب النجس في غير حالة الصلاة، وهذه الطريقة: قد تمشي لو لم يأت روايات صحيحة بقولها: "أفركه ثم يصلي فيه"، وفي بعضها: "فيصلي فيه". فأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب، أنه يعقب الصلاة بالفرك، ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة، واحتمال غسله بعد الفرك واقع يقتضيه القياس، ولكن الأصل عدمه، فيتعارض النظر بين اتباع الأصل ومخالفة هذا القياس، أو بين اتباع القياس ومخالفة الأصل، فما ترجح منهما عمل به.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>