للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثُمَّ إن الزيادات الواردة في المتون أو الأسانيد قَدْ كشفت عن قدرات المتكلمين فِيْهَا، وأبانت عن قدرات محدثي الأمة وصيارفة الحَدِيْث في النقد والتعليل والكشف والتصحيح والتضعيف.

والزيادات الواردة في بَعْض الأماكن دُوْنَ بَعْض نَوْع من أنواع الاختلاف سَوَاء كَانَ في المَتْن أم في السَّنَد. ومَعْرِفَة الزيادات هِيَ إحدى قضايا علل الحَدِيْث الَّتِي مرجعها إلى الاختلاف بالروايات. واختلاف الرواة في بَعْض الأحايين سندًا أو متنًا أمرٌ طبيعيٌّ ولا غرابة فِيهِ، إذ إن الرواة يبعد أنْ يكونوا جميعًا في مستوى واحد من التيقظ والضَّبْط والحفظ، وليسوا في مستوى واحد من الاهتمام والتثبت والدقة، واختلاف المقدار قَدْ يَكُون مداه طويلًا من حِيْن لقي الأحاديث من أصحابها إلى حيْنَ أدائها، إذ إن شرط الضَّبْط أن يَكُون من حِيْن التحمل إلى حِيْن الأداء (١)، وما دامت المواهب متفاوتة حفظًا وضبطًا فإن الاختلاف في الزيادات واردٌ لا محالة، فالرواة مِنْهُمْ من بلَغَ أعلى مراتب الحفظ والإتقان، ومنهم دُوْنَ ذَلِكَ ومنهم أدنى بكثير.

ثُمَّ إن الرواة كثيرًا مَا يشتركون في سَمَاع الحَدِيْث الواحد من شيخ واحد، فحين يحدِّثون بهذا الحَدِيْث بَعْدَ فترة من الزمن يَكُون الاختلاف بينهم بحسب مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم.

علَى أن أحد الرواة الثِّقات لَوْ زاد زيادة لَمْ تكن عِنْدَ البقية فإن ذَلِكَ لا يقْدَح بصدقه وعدالته وضبطه، قَالَ الحافظ ابن حجر: "إن الواحد الثِّقَة إذا كَانَ في مجلس جَمَاعَة، ثُمّ ذكر عن ذَلِكَ المجلس شيئًا لا يمكن غفلتهم عَنْهُ، وَلَمْ يذكره غيره، إن ذَلِكَ لا يقْدَح في صدقه" (٢).


(١) انظر: فتح الباقي ١/ ١٤ ط العلمية، ١/ ٩٧ طبعتنا، ونزهة النظر: ٨٣.
(٢) فتح الباري ١/ ١٨.