للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عمر يستخير الله فيها شهرًا، ثمَّ أصبح يومًا وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا فيكم كتبوا كتبًا، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدًا (١).

وقد عدل عنها للسبب المذكور آنفًا وهو خشية عزوف المسلمين عن كتاب الله وانشغالهم بغيره.

وبقي الأمر هكذا محاولات بسيطة في التدوين إلى حين تولي الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله الخلافة الأموية، حينها أحس بخطر أندراس حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكتب إلى أهل المدينة: (انظروا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبوه، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله)، وفي كتابه لأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عامله على المدينة حيث يقول: (فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليفشوا العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا) (٢)، وكذلك أمره الزهرى وغيره بجمع السنن، وهكذا بدأت محاولات تدوين السنة تتوالى تباعًا شيئًا فشيئًا.

كذلك عنيت الأمة الإسلامية بالرواة والمرويات من حيث القبول والرد، ووضعوا في ذلك أدق وأحكم قواعد النقد العلمي الصحيح وتركوا لنا في تاريخ علم الرجال ثروة نادرة لا توجد في أية أَمة من الأمم الأخرى وفي علم الجرح والعديل ما لم يعرف عند أمة أخرى.

وليس غريبًا أن يصدر في هذا البلد الصابر المجاهد المؤمن مثل هذه الأعمال العظيمة، فقد كان للأئمة العراقيين العمليات الدائبة والدقيقة لفرز


(١) جامع بيان العلم: ٥٠.
(٢) فتح الباري ١/ ٢٠٤.