في هذا البيت انتقل الناظمُ ﵀ من وصف هذا النموذج من ذوي الهمم العالية وعاد يعبّر عن المجموعة وعن الجنس فقال عنهم:
«قَومٌ طَعَامُهُمُ دِرَاسَةُ عِلْمِهِمْ» أي: هذا الصنف الذي سبق وصفه في الأبيات السابقة طعامُهُم وغذاؤُهُم هو دراسةُ العلمِ ومذاكرتُه، فهم يتلذَّذُونَ بطلبِ العلمِ والسعي في تحصيلِه، ويتحمَّلون المشاقَّ في سبيلِ ذلك أكثر مما يتلَذَّذُ أصحابُ المطاعمِ والملذَّاتِ بالطعامِ والشرابِ وسائرِ اللذات، فهؤلاء طعامهم غذاءٌ للعقول والأرواح، وأولئك طعامهم غذاءٌ للبطون والأبدان، والفرقُ بين الفريقين كالفرقِ بين الثَّرَى والثُّرَيَّا.
وقوله:«يَتَسَابَقُونَ إِلَى العُلَا» أي: يتسابقون إلى الخيرات، ويتنافسون في تحصيلها، وهذا - ولا شك - مطلبٌ مهمٌّ.
ومن ذلك: المنافسةُ في طلبِ العلم، وفي الأعمال الصالحة، وفي القيام بالمهام العظيمة، فنحن في هذه الدنيا في ميدان تنافس وسباق، فنسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
وقد أمر الله ﷿ عباده بالمسابقة إلى الخيرات، فقال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ في موضعين من كتابه [البقرة: ١٤٨، والمائدة: ٤٨]، وقال سبحانه: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم (٢١)﴾ [الحديد]، وأمرهم بالمسارعة فقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة