للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنشأ قول الأشاعرة من أنه تعالى يُرى لا في جهةٍ هو أنهم ينفون صفة «العلو» لله ﷿، فهم ينفون علو الله ﷿ على خلقه، فالله عندهم في كل مكان، ولا يوصف بأنه فوق المخلوقات بمعنى: أنه فوقهم بذاته، لكن إذا قالوا: بأن الله فوق المخلوقات فيعنون بذلك الفوقية المعنوية، وهي فوقية القَدْر.

فمذهب أهل السنة والجماعة حقٌّ خالصٌ، ومذهب الجهميَّة والمعتزلة باطلٌ ليس فيه من الحقِّ شيءٌ، ومذهب الأشاعرة فيه حقٌّ وباطلٌ، فقولهم: (إنه يُرى بالأبصار) حقٌّ، وقولهم: (لا في جهة) باطلٌ.

فالمهم أنَّ الناظمَ أجاب بهذا الجوابِ المختَصَرِ: «رُؤيَتُهُ لِمَنْ هُوَ مُهْتَدِي»، وهذا الجواب جوابٌ مجمَلٌ لا تفصيل فيه، فلا يمكن من خلاله تحديد مذهب الناظم، هل هو جارٍ على مذهب أهل السنة من أنَّه تعالى يُرى بالأبصار، وأن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم، أو أنَّه جارٍ على طريقة الأشاعرة من أنه تعالى يُرى لكن في غير جهة؟.

فالجزم بهذا أو ذاك يحتاج إلى الرجوع إلى ما يوجد من كلامه في هذه المسألة في غير هذا الموضع (١).


(١) وقد وقفتُ على كلامٍ له في بعض كتبه صرَّح فيه بمذهبه في هذه المسألة، فقال في كتابه «التمهيد في أصول الفقه» (٣/ ٢٨٥) ما نصه: (وإجماعُنا أنَّ الله يُرَى لا في جهةٍ)، وهذا النصَّ صريحٌ في أنه جارٍ على مذهب الأشاعرة في هذه المسألة، وقد ورد عنه أيضاً إنكارُ الجهةِ لله ﷿، فقال في كتابه «الانتصار» (٢/ ١٧٣): (وفي استقبال الله سبحانه على الحقيقة لا يُتَصَوَّر معنى الابتلاء؛ لأنَّه سبحانه لا جهةَ له).

<<  <   >  >>