فالمعتزلةُ «نفاةُ القَدَر» عندهم أنَّ أفعال العباد خارجةٌ عن مُلْكِ الله وقدرتِه ومشيئتِه، بل العبدُ عندهم هو الذي يخلُقُ فِعْلَ نفسِه بمشيئةٍ هو فيها مستَقِلٌّ عن مشيئَةِ الله، فالعبدُ يشاءُ ولو لم يشأ اللهُ.
وعلى مذهبهم الباطل فإنَّ الله ﷿ لا يقدر على أن يجعل المطيع عاصياً، ولا العاصي مطيعاً، ولا الكافر مؤمناً، ولا المؤمن كافراً، فمذهبهم يتضمن تَعْجِيزَ الرَّب، وأنه غيرُ قادرٍ، وأنَّه يقع في ملكِه ما لا يريد، فهذان المذهبان على طرفي نقيض.
وأما الأشاعرةُ فالمشهور من مذهبهم أنَّ أفعالَ العِبَادِ مخلوقةٌ لله، كما يقول الجبرية، بل وكما يقول أهل السنة أيضاً؛ لأنَّ أهل السُّنَّة يقولون: هي مخلوقة لله، لكن الأشاعرة لا يقولون: إنها أفعال للعباد بل هي كسبٌ منهم، وهذا هو المراد ب «كَسْبِ الأَشْعَري» وهو أحدُ الثلاثةِ التي لا حقيقة لها - وهي:«كَسْبُ الأشعريِّ»، و «أحوالُ أبي هاشِمٍ»، و «طَفْرَةُ النَظَّامِ»(١).
فالأشاعرة يقولون: إنَّ (أفعال العباد مخلوقة لله)، وهذا كلامٌ طَيِّبٌ، و (كسبٌ من العِبَاد)، وهذا كلامٌ فيه من الإجمال ما فيه، وتفسير «الكَسْبِ» عندهم أنَّه وقوعُ الفعل مقارناً للقدرة الحادثة، فيكون العبد له قدرة، ولكنها قدرةٌ لا تأثيرَ لها في أفعالِه، بل غايةُ الأَمرِ أن تكون القدرةُ علامةً على الأفعال، كما هو مذهبهم في الأسباب، فالأسباب عندهم غير مؤثِّرَةٍ في مسبَّبَاتها، لكنَّها أماراتٌ، وهم بذلك يقتربون جِدّاً من مذهب الجبريَّة.
(١) للوقوف على معاني هذه المصطلحات يُنظَر: «مجموع الفتاوى» (٨/ ١٢٨)، و «منهاج السنة» (١/ ٤٥٩) و (٢/ ٢٧٩)، و «شفاء العليل» (ص ٥٠ و ١٢٢).