للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكنَّ المعرفة الحاصلة بالفطرة وبالعقل هي معرفةٌ إجماليةٌ، فالعبدُ يعرفُ رَبَّه بمقتضى الفطرة، فهو مفطورٌ على أنه لا بد له من خالقٍ، بل لا بد لهذا العالم كله من خالق، وهذا أمرٌ فِطْرِيٌّ.

ثم إنَّ النظر في السماوات والأرض والتفكر فيهما مما تحصل به معرفة الله ﷿، فهذا العالم لا بد له من خالقٍ وصانِعٍ، وصانِعُه قادرٌ وحكيمٌ وعليمٌ وهكذا.

ف «النظرُ الصحيحُ» طريقٌ من طُرُقِ المعرفةِ، لكنَّ الطريقَ الأعظم لمعرفة الله معرفةً تفصيليةً هو بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأفعاله الحكيمة المتضمنة للحكمة والعدل والرحمة.

وهذه المعرفة طريقُها الوحي الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيب (٥٠)[سبأ]، ولهذا سمَّى اللهُ الوحيَ الذي بعث به محمَّداً نوراً ورُوْحاً؛ لأنه هو الذي به الإبصار التام، قال الله ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم (٥٢)[الشورى].

فقوله: «بِالنَّظَرِ» هذا صحيحٌ، فإنَّه بالنَّظَر والتفكُّر يُعْرَفُ الله ﷿، لكنه ليس هو الطريق الوحيد لمعرفته سبحانه.

وهذه المسألة التي ذكرها الناظم غير مسألة: «أَوَّلُ وَاجِبٍ هو النَّظَرُ» (١)، فنحن وإن قلنا: إنَّ «النَّظَرَ الصَّحِيحَ» طريقٌ إلى معرفة الله


(١) الناظمُ وعفا عنه - من القائلين بأنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ على المكلَّف هو النَّظَر، وقد أفصح عن هذا في كتابه «التمهيد» كما في (٤/ ٣٠٠ - ٣٠١). =

<<  <   >  >>