فعدم القدرة على الكلام نَقِيصَةٌ وأيُّ نَقِيصَة، والله ﷿ قد احتجَّ على بني إسرائيل وبَيَّنَ لهم بطلان إِلهيَّة العِجْل بأنَّه لا يتكلَّم، والذي لا يتكلم يكون ناقصاً، والناقص لا يصلح أن يكون إلهاً، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِين (١٤٨)﴾ [الأعراف]، وقال في الآية الأخرى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِي (٨٨) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٨٩)﴾ [طه]، فالكلام ضده الخَرَس، والخَرَس عيبٌ وأيُّ عيبٍ، فالجهمية عطَّلُوه سبحانه عن صفات الكمال، ومنها الكلام.
وتعبير الناظم ﵀ ب «السكوت» هنا إما أن يكون أراد به الخَرَس، لكنه لجأ إلى التعبير بالسُّكُوت لأجل النظم، إذ لم يسعفه التعبير بالخَرَس، وإما أن يكون ممن يذهب إلى أن الله تعالى لا يوصف بالسكوت.
وثَمَّةَ فَرْقٌ بين الخَرَسِ والسكوت، ف «الخَرَس» هو العَجْزُ وعدمُ القدرة على التكَلُّم، فالأخرس كالأبكم، وأمَّا «السكوت» فهو ترك الكلام ممن هو قادرٌ عليه، فالقادر على الكلام يتكلَّم إذا شاء ويَسْكُت إذا شاء.
فالسكوتُ ذاتُه ليس عيباً على الإطلاق، وإنما العيب سكوت الأخرس وعدم تكلمه، فإذا كان السكوت بسبب العجز عن الكلام فهو عيب ونقص بلا ريب، وأما إذا كان السكوت عن اختيار ومشيئة فهذا لا يُعَدُّ عيباً ولا نقصاً.
فكان الأجدر بالناظم أن يُعَبِّرَ بغير السكوت، ولكن لا ريب أن مقصوده ب «السكوت» السكوتُ عن عَجْزٍ لا عن مشيئةٍ واختيارٍ.