لم يكن، عوملتا معاملة ما نابتا منابه، هذا نص كلامه، فقد تضافرت نصوص النحاة على أن (نعم) و (لا) و (بلى) غنما تدخل في التصديقات، لتحقيق الصدق أو نفيه، وأما التصورات فليست بأخبار، ولا صدق فيها ولا كذب، فلذلك لم تدخلها (نعم) و (لا) و (بلى)؛ لانتفاء موضعها، فصار قولنا: أكل رجل في الدار؟ ومن في الدار؟ قد اشترك القولان في العموم والاستفهام وغير ذلك من المعاني، وامتاز أحدهما بأنه تصديق، والآخر بأنه تصوري ولحق بهذه المميزات توابعها، فهذا هو الجواب، وهو الفرق بين الموطنين، وبطل قول السائل: إنها لو كانت للعموم لحسن فيها (نعم) و (لا)، وإنما يصح سؤاله أن لو ادعيناه المساواة بينها من كل وجه، ونحن إنما ادعينا المساواة بينهما في معنى العموم خاصة، وأنهما متباينان من وجوه كثيرة غير العموم، فتأمل هذا الموضع فهو حسن.
الوجه الثاني: في الدلالة على أن هذه الصيغ للعموم، أن من قال لوكيله: من دخل داري فأكرمه، حسن من الوكيل الجري على موجب العموم/ ولولا أنها للعموم لما حسن منه ذلك؛ لأنه إفساد لمال الآمر بغير مقتضى له، وذلك موجب للذم، فلما حسن مدحه، وقبح ذمه، دل ذلك على أنها للعموم.